ركن التوبة الأعظم وعلامة قبول التوبة

0 366

السؤال

كيف يتوب الإنسان ويندم على ذنب علم أنه خطأ، ولكنه استمر عليه ويريد أن يتوب ويندم، ولكنه ألف الذنب وهناك ذنوب تركها ولكنه لم يشعر بالندم ولكنه لم يعد إليها. فهل تصح التوبة؟ وهل من علامات قبول التوبة عدم الرجوع للذنب أم لا؟ وأريد دعاء للتوبة والندم وجزاك الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالندم على ارتكاب الذنب هو ركن التوبة الأعظم الذي لا تصح إلا به، فمن ترك الذنب ولم يندم على فعله لم يكن تائبا على الحقيقة، وأولى من لم يزل مصرا على الذنب عاكفا عليه فإنه لا يتصور وجود التوبة مع عدم الإقلاع عن الذنب.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: فأما الندم: فإنه لا تتحقق التوبة إلا به، إذ من لم يندم على القبيح فذلك دليل على رضاه به، وإصراره عليه، وفي المسند " الندم توبة ". وأما الإقلاع: فتستحيل التوبة مع مباشرة الذنب. انتهى.

وقد بينا كيفية تحصيل الندم بيانا كافيا في الفتوى رقم 134518 فانظرها للأهمية، ومما يعينك على الإقلاع عما أنت مقيم عليه من الذنوب والندم على ما فرط منها أن تستحضر مراقبة الله تعالى لك واطلاعه عليك، وأن تخاف بأسه ونقمته سبحانه فإنه شديد العقاب، وأن تستحضر موقفك بين يديه غدا للحساب وأنه سائلك عن القليل والكثير، وأن الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فإذا تدبرت هذه المعاني ونحوها عظمت جنايتك واستشعرت عظيم خطر المعصية وما قد تفضي إليه، فإن الاستهانة بالذنب مما يحول بين العبد وبين الندم عليه.

قال المحقق ابن القيم رحمه الله: فأما تعظيم الجناية فإنه إذا استهان بها لم يندم عليها، وعلى قدر تعظيمها يكون ندمه على ارتكابها، فإن من استهان بإضاعة فلس - مثلا - لم يندم على إضاعته، فإذا علم أنه دينار اشتد ندمه، وعظمت إضاعته عنده. وتعظيم الجناية يصدر عن ثلاثة أشياء: تعظيم الأمر، وتعظيم الآمر، والتصديق بالجزاء. انتهى.

وليس مجرد ترك الذنب من علامات صحة التوبة وقبولها، فإن العبد قد يترك الذنب لعجزه عن فعله، وقد يتركه لضعف داعيه في قلبه، وقد يترك لغير ذلك من العلل التي لا يكون معها تائبا.

وقد بين ابن القيم رحمه الله بعض علامات صحة التوبة فقال: فالتوبة المقبولة الصحيحة لها علامات. منها: أن يكون بعد التوبة خيرا مما كان قبلها. ومنها: أنه لا يزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: {أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30] فهناك يزول الخوف. ومنها: انخلاع قلبه، وتقطعه ندما وخوفا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم} [التوبة: 110] قال: تقطعها بالتوبة، ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه، وهذا هو تقطعه، وهذا حقيقة التوبة، لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه، وخوفا من سوء عاقبته، فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا، تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق، وعاين ثواب المطيعين، وعقاب العاصين، فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات