السؤال
كون الصلاة أفضل العبادات هل معناه أنه يستحب للمسلم أن يقضي جميع أوقاته في الصلاة بدون استثناء إلا أوقات النهي، فيقضيها في قراءة القرآن والأذكار الواردة وباقي الأوقات يقضيها كلها في نوافل الصلاة ؟
كون الصلاة أفضل العبادات هل معناه أنه يستحب للمسلم أن يقضي جميع أوقاته في الصلاة بدون استثناء إلا أوقات النهي، فيقضيها في قراءة القرآن والأذكار الواردة وباقي الأوقات يقضيها كلها في نوافل الصلاة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كون الصلاة أفضل العبادات البدنية لا يعني هذا أن تأديتها في كل وقت هو الأفضل مطلقا لأسباب منها: ما ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى حيث قال : أفضل العبادات البدنية الصلاة، ثم القراءة، ثم الذكر، ثم الدعاء، والمفضول في وقته الذي شرع فيه أفضل من الفاضل كالتسبيح في الركوع والسجود فإنه أفضل من القراءة، وكذلك الدعاء في آخر الصلاة أفضل من القراءة، ثم قد يفتح على الإنسان في العمل المفضول ما لا يفتح عليه في العمل الفاضل . وقد ييسر عليه هذا دون هذا فيكون هذا أفضل في حقه لعجزه عن الأفضل .انتهى.
وقال في موضع آخر : أفضل العبادات ما وافق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته : { خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } .انتهى .
ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم الاقتصاد والاقتصار في الأعمال فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، قالوا : فأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا ، وقال الآخر : وأنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال الآخر : وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله ، إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني . أخرجه البخاري ومسلم. وعن عائشة - رضى الله عنها - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلى، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه ، فجعل الناس يثوبون إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل فقال يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل. رواه البخاري .
فالذي يستحب للمسلم من العبادة ما يستطيع المداومة عليه، ولا يفضي به إلى السآمة والملل ثم الانقطاع، بل قليل دائم خير من كثير منقطع، ثم قد تكون العبادة المفضولة في وقت أفضل من العبادة الفاضلة كالاستغفار بالأسحار بعد الوتر فإنه أفضل من صلاة النافلة في ذلك الوقت لثناء الله على المستغفرين بالأسحار وغيرها من الأمثلة .
والله أعلم.