محبة الأبوين الكافرين.. رؤية شرعية

0 497

السؤال

يقول جمع من أهل العلم المحققين إنه ينبغي بغض الفاسق بقدر فسقه، وإذا كان فسقه غالبا على حسناته فيجب ترجيح بغضه على محبته فإن بغض المؤمنين لأهل المعاصي بحسب معصيتهم أصل في دين الله ولو كان العصاة آباءهم، أو أبناءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم، قال تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه.
وهذه الآية الكريمة ليست خاصة بأهل الكفر، بل تشمل أيضا عصاة المؤمنين الراجح شرهم على خيرهم، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: استدل مالك ـ رحمه الله ـ في هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله، لقوله تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ـ قلت: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان. انتهى. وقد جرى بعض السلف ممن لا يرى جواز محبة الكفار طبعيا إلى قطع أسباب المودة مع الكفار مسالمهم ومحاربهم كما فعل بهلول بن راشد مع النصراني...القصة , وكان في نهايتها أن قال بهلول: قضيت حاجة فاقض لي الأخرى، رد على الدينارين فقال: لم؟ قال: تذكرت قول الله - تعالى -: ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)) فخشيت أن آكل زيت النصراني فأجد له في قلبي مودة فأكون ممن حاد الله ورسوله على عرض من الدنيا يسير.
وفي ذات الوقت اتفقت الأمة على أن صلة الرحم من حيث الأصل واجبة، لقول الله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) والمعنى: اتقوا الله أن تعصوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولتأكيد حق الرحم دخل الفضل في صلة الرحم الكافرة، كما في حديث أسماء، قالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي راغبة وهي مشركة أفأصلها؟ قال: صلي أمك". فإذا كان هذا في الكافر، فمن باب أولى أن يكون من حق المسلم الفاسق، ومما يدل على استحباب وصل الرحم الفاسق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لذلك الصحابي الذي جاء شاكيا من حال قرابته حيث قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني،..الحديث.
ومن المعلوم أن القرابة التي تجهل على من يحلم عليها وتقطع من يصلها وتسيء إلى من يحلم عليها هي فاسقة وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الصحابي وتشجيعه على وصل أقاربه وهم على تلك الحال دال على الاستحباب, ومن الأدلة كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها"
فالقاطع لرحمه فاسق، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصلته، لكن إن كان في مقاطعة الرحم الفاسق زجر له عن الفسق، وحمل له على الطاعة فلا يحرم, وذلك أن الهجر إذا تم على وجهه الشرعي لم يكن قطيعة للرحم.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن الهجر يرجع فيه إلى المصلحة، فقد يكون التأليف أحيانا أولى من الهجر.
والأدلة على عدم وجوب صلة القريب الفاسق كثيرة وأكتفي ببعض أقوال أهل العلم
قال العراقي في أحاديث الأحكام: ... وأما قوله: لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام. فمحله إذا كان الهجران لحظوظ النفس، وتعنتات أهل الدنيا. قال النووي في الروضة: قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور فلا يحرم، وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعض. انتهى قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث لمن كانت مخالطته تجلب نقصا على المخاطب في دينه أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه ، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية
السؤال: إذا تقرر أن بغض الفاسق الراجحة معاصيه على طاعته واجب ولو كان حسن الخلق فلو قال قائل أنا أخشى من زيارة ووصل أرحامي الكفار والفساق الذين يجب تغليب بغضهم على محبتهم من أن أقع في محبتهم بمقتضى الطبع والعشرة. فهل يجوز لنا أن نقول له والحال هكذا يحرم عليك صلتهم من باب سد الذرائع والخشية من الوقوع في محبتهم باعتبار مذهب من يحرم محبة الكافر والفاسق طبعيا وانشرح صدره لذلك بأنه الحق, فإذا كان الجواب بنعم فكيف لمن ابتلي بوالدين كافرين ووقع عنده نفس الإشكال فهل سنجد له رخصة بهجرهما هجرا جميلا مع عدم قطع النفقة عليهما وصلتهما بالمال إذا كانا محتاجين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الواجب على المسلم شرعا أن يبغض الكافر لكفره والفاسق لفسقه.. وهو ما تواترت عليه الأدلة وأقوال أهل العلم -كما أشرت- أما المحبة لأسباب طبيعية فإنه لا حرج فيها بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب عمه أبا طالب بسبب قرابته وإحسانه إليه، وقد نزل فيه قول الله تعالى:  إنك لا تهدي من أحببت.. الآية. كما في صحيح البخاري وغيره. وقد أباح الإسلام الزواج من الكتابيات -على كفرهن- ولم يحرم محبتهن للأسباب العادية بين الزوجين، لكن الذي لا يجوز هو الرضا بالكفر والفسق وموالاة الكفار والفساق على المؤمنين؛ فالكافر يبغض على كفره، والفاسق يبغض بقدر فسقه.
وأما من ابتلي بوالدين كافرين فعليه أن يبرهما ويحسن إليهما في غير معصية كما أمره الله تعالى حيث قال: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما {العنكبوت:8}،وفي الآية الأخرى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}، ولذلك فإن البر بالفعل والقول الحسن الذي ليس فيه تول للكفار أو الرضا عن كفرهم لم ينه الله تعالى عنه، بل أمر به كما في عموم قوله تعالى:  وقولوا للناس حسنا {البقرة:83}،  وفي قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين {الممتحنة:8}،  وداخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين وغيرهم.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 151241، 64053، 151831 للمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع.

وقد علمت مما ذكر أن ما قررته آخر العرض وبنيت عليه سؤاليك هو تقرير غير صحيح، وفي ذلك ما يكفي للجواب عما سألت عنه.
 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة