السؤال
أنا فتاة، أؤمن بربي وأخافه، وأرغب برحمته، وأحاول قدر طاقتي أن أتبع أوامره وأجتنب نواهيه، إلا أني عصبية، ولكن ما يحزنني أني أغضب من أوامر والدي والعياذ بالله، وخصوصا أبي، وأندم بعدها أشد الندم، وأشعر أني أكره نفسي كثيرا، لأني أخالف أوامر الله -عز وجل- وأخشى أن يكون هذا سببا في هلاكي، ماذا عساي أن أفعل؟ وجهوني، جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما [الإسراء:23]. فالله تعالى في هذه الآية أمر وألزم وأوجب عباده بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، معطوفا عليه بالواو وليس بثم التي تفيد التراخي، وفي آية أخرى أمر بشكره تعالى، وقرن شكر الوالدين بشكره وعطف ذلك بالواو أيضا: أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير [لقمان:14]. وقوله تعالى: إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف [الإسراء:23].
ونهى عن قول كلمة (أف) لهما حال الشيخوخة حيث يصير الإنسان كالطفل كثير الطلبات، وكثير الإلحاح، وكثير الحاجة إلى الخدمات مما قد يسبب إزعاجا للولد، ومع ذلك نهى الله الولد أن تصدر منه كلمة تدل على التضجر والتذمر منهما، ولو كانت كلمة أف، فكيف بما هو أعظم منها وأبلغ في إيذائهما، ولهذا أكد الله على تحريم الأذية بالقول: ولا تنهرهما. وأمر بضدها، وهو القول الكريم اللين اللطيف، فقال: وقل لهما قولا كريما [الإسراء:23]. وزاد على ذلك بأن أمر أن يكون حال الولد مع والديه حال ذلة في أقواله وأفعاله وسكناته ونظره، فقال: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة [الإسراء:24]. ثم أمره بالدعاء لهما بالرحمة: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. وذكره بالصغر وصبر أبويه عليه حال صغره حتى لا يتأفف أو يستكثر صبره على والديه حال كبرهما.
روى البخاري في الأدب المفرد أن ابن عمر رأى رجلا يطوف بالبيت، وجعل أمه وراء ظهره -أي حملها وراء ظهره لعجزها عن الطواف- فقال يا ابن عمر: أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.
فعلى هذه الأخت السائلة أن تتقي الله وتبر والديها، ولتعلم أن كل قول أو فعل أو ترك يتأذى به الوالدان عادة فهو عقوق يحاسبها الله عليه.
وإن كانت تعاني من العصبية والغضب، فعلاجه في الفتوى: 8038.
والله أعلم.