السؤال
لو عمل الإنسان عملا بدون نية وبقي أثره - وأثره كان فيه أجر - فهل يجوز له أن يحتسب أثر العمل أجرا عند الله؟ فلو لبست ثوبا أبيض من دون نية ستر العورة, ولا نية لبس الأبيض من الثياب، وتذكرت أني لو استحضرت نية الامتثال بستر العورة ولبس الأبيض من الثياب لأجرت - إن شاء الله - فأنوي أن أبقى بهذه الثوب لأكون ساترا للعورة ولابسا للبياض؛ امتثالا لأمر الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم-, ومثال ذلك إذا وضعت الطعام على السفرة من دون نية...
وبالنسبة للاغتسال من الجنابة: فأنا عندما أبدأ بالاغتسال أنسى بعض الأحيان أن أحتسب الأجر, أو أن أستشعر أن العمل خالص لوجه الله - لكن العمل لا يكون به رياء - وتكون نيتي أني أريد أن أغتسل؛ لكي لا أبقى جنبا لكي أصلي، وأتذكر أن أحتسب الأجر في منتصف الغسل أو حينما أنتهي منه، فهل يجزئ أم لا يجزئ؟ وإذا كان مجزئا فهل يجزئ مع الأجر؟ وإن كان مع الأجر فهل الأجر كأجر من استحضر نية إرضاء الله منذ البداية؟
وإذا عمل الإنسان عملا - وكان العمل رياء - وبقي أثره، مثل: الإفتاء أو النصيحة لكن لم يكن يقصد بها وجه الله، ثم كان لها أثر بأن استجاب أحد للنصيحة - مثل المداومة على الصلوات المفروضة - ثم بعد ذلك تاب العبد إلى الله وأناب، فهل يجوز له أن يحتسب أجر الفتوى أو النصيحة؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فموضوع الاحتساب وعلاقته بالعمل موضوع دقيق يحتاج أولا إلى تحرير بعض المعاني قبل الخوض فيه؛ حتى يتم تصوره تصورا صحيحا؛ ولذا فإننا فنقول: إن العمل الصالح له مبدأ يحمل عليه, وله غاية مقصودة منه, قال ابن القيم - رحمه الله -: فإن كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية, فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الايمان, فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض ... وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته, وهو الاحتساب. اهــ
فتبين بهذا أن هناك فرقا بين الباعث على العمل وبين الغاية, فالأول: الإيمان, والثاني: الاحتساب, ومعناه: احتساب الثواب - أي عد الثواب مدخرا عند الله -.
وأكمل الأحوال أن يجمع المؤمن في عمله بين الباعث والغاية فيعمل العمل طاعة لله, ويطلب ادخار الثواب عنده تعالى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلتصبر ولتحتسب.
ولكن قد يعمل المسلم عملا يبعثه عليه إيمانه بالله تعالى, وإرادة طاعته, ولكنه لا يستحضر احتساب الثواب, فيؤجر على عمله, ولكنه يفوته ثواب الاحتساب, قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: الأعمال الصالحة قسمان: النوع الأول: أعمال لازمة لا يتعدى نفعها للغير، فهذه إن عملها الإنسان بنية أثيب ولو بنية القيام بالواجب؛ يعني: ولو لم ينو الاحتساب لكنه نوى القيام بالواجب فإنه يثاب.
والنوع الثاني: عبادات متعدية ينتفع بها الغير، فهذه يؤجر على انتفاع الغير بها، وإن لم يكن له نية عند فعلها؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من زرع زرعا أو غرس شجرة فأصاب منها حيوان أو سرق منها؛ فإن له بذلك أجرا، مع أنه ربما يغرس ولا ينوي هذه النية، ولكن ما دام فيه انتفاع للناس فله أجر به، ويدل على هذا قوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} وهذا إذا فعله الإنسان - ولو لمجرد الإصلاح - بدون قصد الثواب ففيه خير، ثم قال: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء:114] وهذا أمر زائد على الخير الذي ذكره الله في أول الآية, فإماطة الأذى عن الطريق نفعها متعد؛ فيثاب الإنسان عليه، وإن لم يكن له نية على هذه الإماطة. اهــ
وبهذا تعلم أنك إذا اغتسلت من الجنابة بنية القيام بالواجب: فإنك تؤجر ولو لم تستحضر نية ادخار الثواب عند الله.
وإذا لبست ثوبا أبيض - كما ذكرت - ولم يكن الباعث عليه نية اتباع السنة, وإنما العادة مثلا, فإنك لا تثاب عليه, فإذا استحضرت تلك النية بعد قبل أن تنزعه وأبقيته بتلك النية فإنك تثاب - إن شاء الله - ما دمت أبقيته لأجل تلك النية.
وأما استحضار الباعث أو نية الاحتساب بعد انقضاء العمل فهذا لا يحصل به الثواب, وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 95892 أنه ليس من المتصور أن يصح احتساب الأجر عند الله في أعمال الخير التي كان الشخص قد فعلها من قبل خالية عن الاحتساب؛ إذ لو كان ذلك ممكنا لما كان من داع إلى تحصيل نية الاحتساب قبل الشروع طالما أن حصولها بعد الفعل يكفي, فمن عمل عملا وكان الباعث عليه الرياء, فإنه لا أجر له حتى وإن أراد الاحتساب عند رؤية الأثر؛ لأن وقت الاحتساب قد فات, ولكنه يثاب على توبته لله تعالى وندمه.
والله تعالى أعلم.