السؤال
عمي أبره كثيرا وأقف بجواره كثيرا، لأنه لا ولد له، ورغم ذلك اشتكى من أبي في المحاكم ظلما وزورا، فغرت على أبي وأقسمت أن أقطعه، مع العلم أن أبي لم يأمرني بذلك بعد ما فعله عمي معه، فهل هذه قطيعة؟.
عمي أبره كثيرا وأقف بجواره كثيرا، لأنه لا ولد له، ورغم ذلك اشتكى من أبي في المحاكم ظلما وزورا، فغرت على أبي وأقسمت أن أقطعه، مع العلم أن أبي لم يأمرني بذلك بعد ما فعله عمي معه، فهل هذه قطيعة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، فعن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع. متفق عليه.
وظلم عمك لأبيك لا يبيح لك قطيعته، ولا يسقط حقه عليك في الصلة، قال صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة: أن رجلا قال: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل, ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. أخرجه مسلم.
والتوقف عن صلة القريب والإحسان إليه دون مسوغ شرعي يعد من القطيعة المحرمة، قال الهيتمي في بيان القطيعة التي تعد من الكبائر: قطع ما ألف القريب منه من سابق الوصلة والإحسان لغير عذر شرعي، لأن قطع ذلك يؤدي إلى إيحاش القلوب ونفرتها وتأذيها، ويصدق عليه حينئذ أنه قطع وصلة رحمه وما ينبغي لها من عظيم الرعاية، فلو فرض أن قريبه لم يصل إليه منه إحسان ولا إساءة قط لم يفسق بذلك، لأن الأبوين إذا فرض ذلك في حقهما من غير أن يفعل معهما ما يقتضي التأذي العظيم لغناهما -مثلا- لم يكن كبيرة فأولى بقية الأقارب، ولو فرض أن الإنسان لم يقطع عن قريبه ما ألفه من الإحسان لكنه فعل معه محرما صغيرة أو قطب في وجهه أو لم يقم إليه في ملأ ولا عبأ به لم يكن ذلك فسقا، بخلافه مع أحد الوالدين، لأن تأكد حقهما اقتضى أن يتميزا على بقية الأقارب بما لا يوجد نظيره فيهم، وعلى ضبط الثاني بما ذكرته فلا فرق بين أن يكون الإحسان الذي ألفه منه قريبه مالا أو مكاتبة أو مراسلة أو زيارة أو غير ذلك، فقطع ذلك كله بعد فعله لغير عذر كبيرة، فإن قلت: فما المراد بالعذر في المال وفي نحو الزيارة والمكاتبة؟ قلت: ينبغي أن يراد بالعذر في المال فقد ما كان يصله به أو تجدد احتياجه إليه، أو أن يندبه الشارع إلى تقديم غير القريب عليه، لكون الأجنبي أحوج أو أصلح، فعدم الإحسان إليه أو تقديم الأجنبي عليه لهذا العذر يرفع عنه الفسق، وإن انقطع بسبب ذلك ما ألفه منه القريب، لأنه إنما راعى أمر الشارع بتقديم الأجنبي على القريب، وواضح أن القريب لو ألف منه قدرا معينا من المال يعطيه إياه كل سنة -مثلا- فنقصه لا يفسق بذلك؛ بخلاف ما لو قطعه من أصله لغير عذر، فإن قلت: يلزم على ذلك امتناع القريب من الإحسان إلى قريبه أصلا خشية أنه إذا أحسن إليه يلزمه الاستمرار على ذلك خوفا من أن يفسق لو قطعه، وهذا خلاف مراد الشارع من الحث على الإحسان إلى الأقارب، قلت: لا يلزم ذلك، لما تقرر أنه لا يلزمه أن يجري على تمام القدر الذي ألفه منه، بل اللازم له أن لا يقطع ذلك من أصله، وغالب الناس يحملهم شفقة القرابة ورعاية الرحم على وصلتها، فليس في أمرهم بمداومتهم على أصل ما ألفوه منهم تنفير عن فعله، بل حث على دوام أصله، وإنما يلزم ذلك لو قلنا: إنه إذا ألف منه شيئا بخصوصه يلزمه الجريان على ذلك الشيء المخصوص دائما ولو مع قيام العذر الشرعي، ونحن لم نقل ذلك، وأما عذر الزيارة: فينبغي ضبطه بعذر الجمعة بجامع أن كلا فرض عين، وتركه كبيرة، وأما عذر ترك المكاتبة والمراسلة: فهو أن لا يجد من يثق به في أداء ما يرسله معه. اهـ.
فعليك بصلة عمك ولو ظلم أباك، مع مناصحته وتحذيره من مغبة الظلم، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 191717.
والله أعلم.