السؤال
أنا رجل في الثلاثين من عمري أدرس علم الحاسب الآلي في دولة أوروبية، درست وعلمت نفسي بنفسي وصرفت على دراستي بنفسي، وفي أحد الامتحانات فقدت الثقة في نفسي بعد تحضير طال أكثر من ثلاثة أشهر وظننت أنني لا أستطيع إكمال دراستي، وظننت أنني إنسان غبي، فدب في قلبي الرعب الشديد والفزع والخوف والندم وأصبت بالإحباط الشديد، وظننت أنني سأموت. ولكني صممت على تقديم الامتحان والحمد لله أنني نجحت بتقدير جيد جدا وكنت على اقتناع أنني سوف أموت بعد تقديم هذا الامتحان، ومن يومها وأنا أحاول كسب الثقة في نفسي، أحيانا يأتيني الخوف من العمل وأحينا أتشجع ولكن الخوف أقوى، وبعدها تكلمت مع أطباء نفسيين ومتخصصين في هذه الحالات، وطلبت من الله سبحانه الرحمة بي وشعرت بالقرب من الله سبحانه وتعالى وخفت من هذا القرب وشعرت أنني عملت كثيرا من المحرمات التي تجعلني أحاول الابتعاد عن ديني والنظر إلى الحياة حتى أنسى ما حصل بي من الندم والإحباط في لحظة فقدت كل طموحاتي وأهدافي، أحيانا تأتيني حالات خوف أثناء النوم لدرجة أن دقات قلبي كانت تتغير، وأشعر بالندم الشديد، والخوف من عقاب الله سبحانه وتعالى بسبب إسقاط الجنين من أمه، سؤالي ما هو تفسير وحكم القرآن الكريم في هذه الحالة، ما هو التفسير الإسلامي النفسي لهذه الحالة؟ وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخوف والقلق في أحيان كثيرة يكون سببه الذنب والمعصية، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم الجواب الكافي: ومن عقوباتها -يعني المعاصي- ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفا مرعوبا، فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمانا، ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح الباب قال: جاء الطلب، وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بالعطب، يحسب كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصدا إليه، فمن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء.
بذا قضى الله بين الخلق مذ خلقوا====أن المخاوف والأجرام في قرن انتهى كلامه رحمه الله.
فننصح الأخ السائل بالتوبة الصادقة المستوفية لشروطها وأركانها، وذلك بأن يندم على ما فات من الذنوب، ويتركها في الحال، ويعزم على أن لا يعود إليها في المستقبل، فإن فعل هذا وعمل صالحا وأناب إلى ربه فإنه سيشعر بالأمن والطمأنينة، فإن الله عز وجل يقول: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون [الأنعام:82].
وحين يصلح الإنسان ما بينه وبين الله عز وجل فإنه لا يخاف من مجيء الموت، بل ربما يستبشر ويفرح إحسانا للظن بالله عز وجل، أن ينقله إلى النعيم المقيم.
وإذا انتبه الإنسان من غفلته علم أن هذه الحياة مرحلة من مراحل سفر طويل، فلا ينبغي أن تنال فوق حقها من الهم والعناية، بل هي مزرعة للآخرة، فيزرع هنا ليحصد هناك، وسيزول عنه اليأس والإحباط إن شاء الله، لأنه يعلم أن ثمار عمله سيجدها أمامه، وأن كل عمل نافع للمسلم ولأمته هو من أبواب الخير التي سيجازى عليها العبد في الآخرة.
والخلاصة أننا ننصح الأخ بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل، وإحسان الظن به، فإنه يتوب على من تاب؛ بل يفرح بتوبة عبده إذا تاب ليكرمه ويعطيه. كما ننصحه بقراءة هذا الكتاب الذي سميناه له في أول الجواب، وهو كتاب الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وعنوانه: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي.
وأما ما أشار إليه الأخ في سؤاله من إسقاط جنين من بطن أمه لم يبين لنا مراده حتى نجيبه، ولكن قد سبقت لنا أجوبة عن إسقاط الجنين، فلتراجع الأرقام: 2143 9332 .
والله أعلم.