السؤال
كان لي ماض، وبعد الزواج نسيته، ولكنه ظل يلاحقني، فكذبت على زوجي وقلت له إن هذه العلاقات قامت بها صديقتي، لكن ضميري يعذبني فلست أقصد أن ألوث سمعتها أمام زوجي، بل كان قصدي أن أستر على نفسي وأنسى هذا الماضي، والآن أنا نادمة من كل قلبي وأخاف من عقاب ربي، وأخاف أن لا يتقبل الله عبادتي، حاولت أن أصارح زوجي فخفت أن أدمر بيتي ويكرهني، كما حاولت أن أتحدث عنها بالخير لكنني خشيت أن يشك في الأمر، فماذا أفعل كي أرضي ربي وأصحح خطئي في حالة القذف؟ وماذا يجب علي؟ وإذا لم أستطع أن أصارحهما، فهل أعتبر آثمة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
روى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال: أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته، نقم عليه كتاب الله.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: وفيه كراهة الاعتراف بالزنى وحب الستر على نفسه والفزع إلى الله عز وجل في التوبة.
وعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ... وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم. حسنه الألباني.
وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه عند المعاد.
بل يجوز الكذب لأجل الستر، وراجعي الفتوى رقم: 191615.
فاستمري على الإنكار، ولو بالكذب، وسلي الله العافية والستر، وراجعي الفتوى رقم: 206500.
وأما إلصاقك التهمة بصديقتك: فحرام، قال تعالى: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين {سورة النور:23ـ 25}.
والواجب عليك توبة نصوح، والحمد لله أن من عليك بالندم، ولكن لا بد من شروط التوبة، وراجعي الفتوى رقم: 5450.
وأما التوبة من القذف خصوصا: فالأقرب عدم اشتراط إعلامها، بل يكفي ذكرها بالخير والدعاء لها، قال ابن القيم في مدارج السالكين: وإن كانت المظلمة بقدح فيه، بغيبة أو قذف، فهل يشترط في توبته منها إعلامه بذلك بعينه والتحلل منه؟ أو إعلامه بأنه قد نال من عرضه ولا يشترط تعيينه، أو لا يشترط لا هذا ولا هذا، بل يكفي في توبته أن يتوب بينه وبين الله من غير إعلام من قذفه وإعتابه؟ على ثلاثة أقوال، وعن أحمد روايتان منصوصتان في حد القذف، هل يشترط في توبة القاذف إعلام المقذوف، والتحلل منه أم لا؟ ويخرج عليهما توبة المغتاب والشاتم، والمعروف في مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك اشتراط الإعلام والتحلل، هكذا ذكره أصحابهم في كتبهم.... والقول الآخر: أنه لا يشترط الإعلام بما نال من عرضه وقذفه واغتيابه، بل يكفي توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، وقذفه بذكر عفته وإحصانه ويستغفر له بقدر ما اغتابه، وهذا اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ واحتج أصحاب هذه المقالة بأن إعلامه مفسدة محضة لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذى وحنقا وغما، وقد كان مستريحا قبل سماعه، فإذا سمعه ربما لم يصبر على حمله، وأورثته ضررا في نفسه أو بدنه، كما قال الشاعر: فإن الذي يؤذيك منه سماعه... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل ـ وما كان هكذا فإن الشارع لا يبيحه، فضلا عن أن يوجبه ويأمر به، قالوا: وربما كان إعلامه به سببا للعداوة والحرب بينه وبين القائل، فلا يصفو له أبدا، ويورثه علمه به عداوة وبغضاء مولدة لشر أكبر من شر الغيبة والقذف، وهذا ضد مقصود الشارع من تأليف القلوب، والتراحم والتعاطف والتحابب.
ولكن يبقى أنه لا بد من أن تكذبي نفسك عند زوجك، ولو بالتعريض، أو الكذب، قال ابن القيم في المدارج: الصحيح من القولين أن توبة القاذف إكذابه نفسه، لأنه ضد الذنب الذي ارتكبه، وهتك به عرض المسلم المحصن، فلا تحصل التوبة منه إلا بإكذابه نفسه، لينتفي عن المقذوف العار الذي ألحقه به بالقذف، وهو مقصود التوبة، وأما من قال: إن توبته أن يقول أستغفر الله من القذف، ويعترف بتحريمه، فقول ضعيف، لأن هذا لا مصلحة فيه للمقذوف، ولا يحصل له به براءة عرضه مما قذفه به، فلا يحصل به مقصود التوبة من هذا الذنب، فإن فيه حقين: حقا لله، وهو تحريم القذف، فتوبته منه باستغفاره، واعترافه بتحريم القذف، وندمه عليه، وعزمه على أن لا يعود، وحقا للعبد، وهو إلحاق العار به، فتوبته منه بتكذيبه نفسه، فالتوبة من هذا الذنب بمجموع الأمرين. اهـ
فحاولي جهدك إبراءها، دون أن تعود الشكوك إليك، واستعيني بالله على ذلك، ولو اضطررت إلى الكذب على زوجك وبقيت نقطة وهي قولك: كان لي ماض، وبعد الزواج نسيته.. فلا يكفي في التوبة الإقلاع، بل لا بد من الشروط السابقة غفر الله لنا ولك.
والله أعلم.