شبهة حول الحديث الوارد في تفسير الآية: والأرض جميعا قبضته يوم القيامة. والرد عليها

0 442

السؤال

أؤمن بصفات الله عز وجل كما جاءت في القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى مذهب علمائنا أهل السنة ومنها صفة اليد كما يليق بجلال الله، ولكن ليس كل من صرف معنى الآيات القرانية إلى المعنى المجازي يدل على أنه منكر لصفات الله عز وجل، وهذا ما حصل معي في آية رقم: 76 ـ من سورة الزمر، حيث اعترضتني شبهتان حول حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ والحديث هو: جاء حبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد، إن الله يضع السموات على أصبع.... الحديث
الشبهة الأولى: كيف يضع الله الجبال على أصبع يوم القيامة، ومن المعلوم أن الجبال تدك وتنسف وتتلاشى وتفنى بصريح نص القرآن والآيات على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا.... الآية، وقس على ذلك الأشجار، كما قال تعالى: وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ـ وبناء على ذلك نجد الحديث يتعارض مع نص القرآن.
الشبهة الثانية: قول الحبر: يضع السموات على إصبع ـ ليس فيه دلالة على القبض، فوضع السموات على إصبع والأشجار على إصبع.... إلخ، لا يدل على القبض، ومن المعلوم أن القبض مسك الشيء باليد وثني الأصابع عليه، أما قول الحبر بالوضع على الإصبع يدل على أن اليد تكون مبسوطة, بناء على ذلك نجد قول الحبر يتعارض مع نفس الآية في قوله تعالى: والأرض قبضته...الآية، لأن الآية تدل على القبض وقول الحبر لا يدل على قبض، مع العلم أنني لا أنكر صفات الله عز وجل، ومنها صفة اليد، أريد أن تكون الإجابة محددة ومقننة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنريد التنبيه أولا إلى أن سورة الزمر لا تتجاوز آياتها 75 آية وبالتالي، فلعلك تقصد الآية: 67 وليست 76ـ وقد أخرج الشيخان ـ واللفظ لمسلم ـ عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد ـ أو يا أبا القاسم ـ إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن، فيقول: أنا الملك، أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر، تصديقا له، ثم قرأ: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون.

وقد ذكر الإمام ابن تيمية في الرسالة العرشية: هذا الحديث من الأحاديث التي اتفق أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول، وطريقة أهل السنة والجماعة إثبات مقتضى هذا الحديث كما يليق بجلاله، قال أبو الحسن الأشعري: فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة: ... وندين الله عز وجل بأنه يقلب القلوب، وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل، وأنه عز وجل يضع السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

ولا تعارض البتة بين إمساك الرب جل وعلا للجبال على إصبع والشجر على إصبع وبين نسف الجبال ودكها وزوال ما على الأرض من الأشجار وغيرها، وبيان ذلك: أن الله قد وصف الجبال بعدة أحوال يوم القيامة، كالسير: وإذا الجبال سيرت {التكوير:3}.

وبأنها تكون كالعهن، وهو الصوف: وتكون الجبال كالعهن المنفوش {القارعة:5}.

وبأنها تبس، وتصبح هباء: وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا {الواقعة:5 ،6}.

وبالرجف: يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا {المزمل:14}.

وبالمرور: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون {النمل:88}.

وبالنسف: وإذا الجبال نسفت {المرسلات:10}.

وبالدك: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة {الحاقة:14}.

وبأنها تكون سرابا: وسيرت الجبال فكانت سرابا {النبأ:20}.

فكما أنه ليس هناك تعارض بين هذه الأحوال جميعها، حيث يعقب بعضها بعضها، فكذك قبض الرب جل وعلا للجبال يوم القيامة لا يعارض تلك الأحوال، فقد يكون القبض قبل أن تعتري الجبال هذه الأحوال المخبر عنها، أو يكون ذلك بعد تغير الجبال، والله عز وجل قدير لا يعجزه شيء من ذلك سبحانه، ثم إن السماء تنفطر، وتنشق يوم القيامة، كما قال تعالى: إذا السماء انفطرت {الانفطار:1}.

والأرض يوم القيامة تمد: وإذا الأرض مدت {الانشقاق:3}.

وترج: إذا رجت الأرض رجا {الواقعة:4}.

وتدك: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة {الحاقة:14}.

وكلاهما تبدلان: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار {إبراهيم:48}.

فكما أن هذه الأحوال التي تعتري السماء والأرض يوم القيامة لا تعارض قبض الأرض وطي السماء المخبر به في القرآن العظيم، فكذلك الأحوال التي تعتري الجبال لا تعارض قبضها المخبر به في السنة، والله عز وجل ليس كمثله شيء، سبحانه، فلا يجوز أن يعتقد العبد أن قبض الله عز وجل مثل قبض المخلوقين، تعالى الله وتقدس، وما وقع أحد في شيء من التأويل المذموم لصفة من الصفات إلا بعد توهمه مماثلة تلك الصفة لصفات المخلوقين.

وأما الشبهة الثانية: فغير واردة أصلا، فلفظ الحديث الذي اتفق عليه الشيخان: إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع ـ ولفظ: يضع السموات ـ قد انفرد به البخاري في رواية أخرى، لعلها رويت بالمعنى، وعلى كل حال فالوضع لا ينافي القبض أصلا، فالقبض هو وضع وزيادة، فلا تعارض بين أن يوصف الشيء بأنه موضوع وبأنه مقبوض، وليعلم أن المعارضات التي توردها النفوس على النصوص الشرعية لا حد لها، قال ابن تيمية: المعارضات الفاسدة التي يمكن أن يوردها بعض الناس على الأدلة لا نهاية لها، فإن هذا من باب الخواطر الفاسدة، وهذا لا يحصيه أحد إلا الله تعالى، لكن إذا وقع مثل ذلك لناظر أو مناظر، فإن الله ييسر من الهدى ما يبن له فساد ذلك، فإن هدايته لخلقه وإرشاده لهم هو بحسب حاجتهم إلى ذلك وبحسب قبولهم الهدى وطلبهم له قصدا وعملا. اهـ من درء التعارض.

والواجب على المسلم أن يحمل الأحاديث النبوية على أحسن المحامل، بما يليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه. أخرجه ابن ماجه.

ومن توقير السنة النبوية: ألا يسارع المرء في توهم معارضتها لنصوص القرآن العظيم، وينبغي للشخص إذا عرض له إشكال في نص أن يبادر بسؤال أهل العلم حتى يبينوا له، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا، فشفاه منه. أخرجه البخاري.

ومن الخطر البالغ أن يركن العبد إلى ما يعرض له من إشكالات في النصوص، فقد تتحول تلك الإشكالات إلى شبهات تقر في سويداء القلب ولا تخرج منها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات