السؤال
انفصل أبي عن أمي وأنا في السابعة من العمر وعاش أبي معي أنا وأختي حتى توفاه الله أما أمي فقد تزوجت وتركتنا في فترة حرجة جدا وقد ترتب على ذلك نتائج سيئة كثيرة، والآن أنا وأختي في العقد الثالث من العمر وأمي لا تزال على قيد الحياة ولكنها لا تصلنا ولا تسأل عنا فما واجبنا نحوها وهل مجرد السؤال بالتليفون كاف لوصل الرحم مع العلم أننا نكره بشدة أسرتها الجديدة وكذلك زوجها الآخر جدا، وما حكم الشرع وصلة الرحم علي أنا وأختي ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبر الوالدين من أوكد الواجبات على الإنسان في هذه الحياة، فقد قرن الله عز وجل شكر الوالدين بشكره، فقال: أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير [لقمان:14].
وقرن الإحسان إليهما بتوحيده سبحانه وتعالى، فقال: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا [الإسراء:23].
وقرن النبي صلى الله عليه وسلم برهما بالصلاة، ففي الحديث الصحيح أنه سئل عليه الصلاة والسلام أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
بل أمر الله عز وجل بالإحسان إليهما ومصاحبتهما بالمعروف ولو كانا كافرين يجاهدان ولدهما على أن يكفر، فقال سبحانه: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا [لقمان:15].
والأم أولى الوالدين بالإحسان وآكدهما حقا، وقد حكى بعض العلماء الإجماع على أن الأم مقدمة في البر على الأب حكاه الحارث المحاسبي، وذلك لأنها اختصت بأمور لم يشاركها فيها الأب مثل: ألم الحمل، ومعاناته، وطلقات الوضع وشدته، ثم الإرضاع حولين كاملين، وقد أشار القرآن إلى مزيد فضلها على الولد وتحملها من أجله بعد أن أمر ببر الوالدين معا، فقال سبحانه: ووصينا الأنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين [لقمان:14].
وكما أن الله عز وجل أكد الوصية بالإحسان إلى الوالدين فإنه قد توعد من عق والديه أو أحدهما، فجاءت الأحاديث الكثيرة في الترهيب من عقوق الوالدين، فقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى. رواه النسائي وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق. رواه الحاكم في مستدركه وصححه، وصححه الألباني أيضا.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ونحن ننصح الأخ السائل بالقيام بحق الوالدة كما ينبغي، وأن لا ينسيه ما رآه من الوالدة من تركهم مع أبيهم، وزواجها برجل آخر لا ينسيه ذلك إحسانها القديم، فقد حملته في بطنها تسعة أشهر، وعانت ما عانت يوم وضعته، ثم أرضعته لبنها، وظلت تزيل عنه القذر والأذى سنين، وسهرت الليل لمرضه، وتعبت في النهار، والوالدة لا تلام على زواجها فإن هذا أمر فطر الله عز وجل العباد على طلبه، وليس ذلك عيبا فيها، ولا تقصيرا منها إن تزوجت برجل آخر بعد طلاق زوجها الأول لها، وإن كانت قد وقعت في نوع تقصير بترك السؤال عن ولديها، ولكن هذا الزلل اليسير لا يمحو ما لها من سابق الفضل والإحسان.
فالواجب على الأخ السائل وأخته أن يبرا أمهما ويصلاها، وينبغي المبالغة في ذلك بقدر الاستطاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد أصحابه منبها له على عظيم الأجر في خدمة الأم يقول: الزمها فإن الجنة عند رجلها. رواه الإمام أحمد في المسند.
فعل الأخ السائل وأخته أن يقوما بزيارة أمهم والسلام عليها، وطلب المسامحة عما مضى، ومحاولة اصلاح ما بينهم فيما بقي، وأما الاتصال بالتليفون في مثل هذا المقام فلا يكفي، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.