السؤال
أفكر دائما في الموت، وأخشى من سوء الخاتمة، لا أملك لنفسي شيئا، أحاول تجنب جميع الذنوب دائما، ولكن خوفي من الله، والموت، ويوم القيامة أصابني بالاكتئاب وكره الحياة، وكره العيش، وعدم الرغبة في التفوق، أو الدراسة، وضيق في العيش والحزن ولا أعرف كيف أمارس حياتي مع الخوف من الله، وأيضا حسن الظن به، أظنها معادلة صعبة.
وأحيانا يدفعني ذلك إلى أن يوسوس لي الشيطان بأنه قد لا يكون هناك يوم قيامة، وحين ذك أكون قد أضعت فرحتي في دنياي.
أتمنى أن أكون قد أوصلت شعوري.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتويين: 119014، 173659 مشروعية الخوف من يوم القيامة، وأن هذا الخوف يكون محمودا إذا أورث العمل، لا القنوط، وفي هذه الحال يختلط الخوف بالرجاء بحسن الظن بالله؛ قال تعالى: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (218) سورة البقرة.
وأما أن يوصل إلى الاكتئاب، أو التقصير في العمل، أو الشكوك في يوم القيامة وما فيه، فهذا عكس المطلوب.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: منزلة الحزن: وليست من المنازل المطلوبة، ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا. فالمنهي عنه كقوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا} [آل عمران: 139]. وقوله: {ولا تحزن عليهم} [الحجر: 88]. في غير موضع، وقوله: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]. والمنفي كقوله: {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 38] . وسر ذلك أن الحزن موقف غير مسير، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}. [المجادلة: 10]. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه. فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن فهو قرين الهم، والفرق بينهما أن المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما يستقبل أورثه الهم، وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتر للعزم. ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [فاطر: 34] فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن، كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم.....انتهى.
وقال في منزلة الأدب: قال: وهو على ثلاث درجات. الدرجة الأولى: منع الخوف أن لا يتعدى إلى اليأس، وحبس الرجاء أن يخرج إلى الأمن، وضبط السرور أن يضاهئ الجرأة. يريد: أنه لا يدع الخوف يفضي به إلى حد يوقعه في القنوط، واليأس من رحمة الله. فإن هذا الخوف مذموم. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: حد الخوف ما حجزك عن معاصي الله. فما زاد على ذلك: فهو غير محتاج إليه. وهذا الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها. انتهى.
فالخوف المحمود ما أورث عملا لا قنوطا؛ قال تعالى: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون (15) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) سورة السجدة.
فالذي ينبغي أن يكون خوفك حاملا للاجتهاد في الدراسة بنية نفع المسلمين، وبر الوالدين، وغير ذلك .
وأما وسوسة الشيطان بأنه لا يوجد يوم آخر فالهي نفسك عن ذلك، وراجعي في وسائل التخلص من الوسوسة الفتاوى أرقام: 39653،103404، 97944، 3086،51601.
وننصحك بمراجعة قسم الاستشارات من الموقع.
والله أعلم.