السؤال
شاب وقع في الزنا ثم تاب ثم عاد مرة أخرى ثم تاب وعمل ثلاث عمرات ثم وقع مرة أخرى في الزنا المشكلة كلما يفعل هذه الفاحشة بعدها مباشرة يندم أشد الندم ويصمم على التوبة ثم بعد فترة يعود أخشى أن يكون ذلك استهزاء بالله كما سمعت لا أعرف ماذا أفعل حتى تكون توبتي توبة نصوحة إلى الله وبدون رجعة وهل يقبل الله التوبة من الذين يعملون السوء بعلم وليس بجهالة ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك التوبة والإنابة كلما وقعت في الذنب، وإياك والاصرار على فعل المعصية، فإن ذلك هو الهلاك، قال الله تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون [آل عمران:135].
وكون الشخص يقع في الذنب ثم يتوب ثم يقع في الذنب ثم يتوب ليس استهزاء بالله تعالى، بل دليل على حبه لله والتوبة، وكراهته للذنب والمعصية لأنه يكره المداومة على فعلها، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا قال قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، هذه المسألة تقدمت في أول كتاب التوبة، وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته.
قوله عز وجل للذي تكرر ذنبه: اعمل ما شئت فقد غفرت لك معناه ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك انتهى.
فليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله.
وعلى الشخص أن يتوب توبة نصوحا، وهي أن يتوب ويعزم العزم المصمم على ألا يعود، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير [التحريم:8].
قال العلماء التوبة النصوح ما توفر فيها أربعة أشياء:
1- الكف عن الذنب.
2- الندم على فعله.
3- العزم على عدم العودة إليه.
وهذه الثلاثة إذا كان الذنب فيما بين العبد وربه، ويزيد رابعا إذا كان حق للآخرين وهو أنه يجب إرجاع الحق إلى أهله.
واعلم أن الموت قد يأتيك في أي لحظة، فربما جاءك، وأنت على الذنب، وربما جرك فعل الذنب إلى ذنب آخر، وحيل بينك وبين التوبة، فتكون من أهل النار، فبادر أخي الكريم بالتوبة النصوح.
وقولك "هل يتقبل الله التوبة من الذين يعملون السوء بعلم وليس بجهالة" فالجواب عنه: نعم. والمقصود بالجهالة في قول الله تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما [النساء:17].
فعل الذنب وصاحبه يعلم أنه ذنب. فكل من أذنب فهو جاهل، وليس المقصود أنه فعل ذنبا وهو لا يعلم أنه ذنب لأن هذا غير مؤاخذ، ولا إثم عليه أصلا.
والله أعلم.