السؤال
ما حكم بيع السلعة أو تقديم هدية لمن علم أو غلب على ظنه أنه سيستعملها في الواجب والمستحب والمباح والمكروه والحرام معا، كبيع جهاز الجوال لمن يعلم أنه يستخدمه في التواصل مع أهله والاستماع للأغاني، وفي نفس الوقت معرفة اتجاه القبلة وأوقات الصلاة وقراءة القرآن، حيث إن جهاز الجوال يشتمل على برامج تقوم بكل هذه الأمور وكان المشتري ممن يقوم بكل هذه الأمور، وكذلك تعليم علم لمن يستخدمه في المباح والمستحب والمحرم أو المكروه، حيث إنني أعمل كمبرمج مواقع وأحيانا يسألني بعض زملاء العمل عن أشياء وأنا أعلم من حالهم أنهم يقومون ببرمجة مواقع مفيدة وكذلك مواقع عليها بعض الملاحظات من الناحية الشرعية؟ وهل لو قمت بعمل موقع تعليمي لعلوم البرمجة بنية نفع المسلمين واستخدم أحدهم المعلومات المنشورة في عمل مواقع للأغاني والأفلام وما شابه ذلك يلحقني من ذلك إثم؟.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى...
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بيع أو هبة ما يقصد به المحرم لا يجوز عند جماهير العلماء، خلافا للحنفية، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام، وكل تصرف يفضي إلى معصية، فهو محرم، فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز، فمن أمثلته عند المالكية: بيع الأمة لأهل الفساد، والأرض لتتخذ كنيسة أو خمارة، وبيع الخشب لمن يتخذه صليبا، والنحاس لمن يتخذه ناقوسا، قال الدسوقي: وكذا يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب، من سلاح أو كراع أو سرج، وكل ما يتقوون به في الحرب، من نحاس أو خباء أو ماعون، وأما بيع الطعام لهم، فقال ابن يونس عن ابن حبيب: يجوز في الهدنة، وأما في غير الهدنة فلا يجوز، والذي في المعيار عن الشاطبي: أن المذهب المنع مطلقا، وهو الذي عزاه ابن فرحون في التبصرة، وابن جزي في القوانين لابن القاسم، وذكر في المعيار أيضا عن الشاطبي: أن بيع الشمع لهم ممنوع، إذا كانوا يستعينون به على إضرار المسلمين، فإن كان لأعيادهم فمكروه، ومن أمثلته عند الشافعية: بيع مخدر لمن يظن أنه يتعاطاه على وجه محرم، وخشب لمن يتخذه آلة لهو، وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة، وكذا بيع سلاح لنحو باغ وقاطع طريق، وديك لمن يهارش به، وكبش لمن يناطح به، ودابة لمن يحملها فوق طاقتها، كما نص الشرواني وابن قاسم العبادي على منع بيع مسلم كافرا طعاما، علم أو ظن أنه يأكله نهارا في رمضان، كما أفتى به الرملي قال: لأن ذلك إعانة على المعصية، بناء على أن الراجح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومن أمثلته عند الحنابلة: بيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، أو إجارة داره لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة، أو بيت نار وأشباه ذلك، فهذا حرام، قال ابن عقيل: وقد نص أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ على مسائل نبه بها على ذلك، فقال في القصاب والخباز: إذا علم أن من يشتري منه، يدعو عليه من يشرب المسكر، لا يبيعه، ومن يخترط ـ يصنع ـ الأقداح لا يبيعها ممن يشرب فيها ـ أي الخمر ـ ونهى عن بيع الديباج ـ أي الحرير ـ للرجال، ذهب أبو حنيفة إلى أنه: لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به كبيع الكبش النطوح، والحمامة الطيارة، والخشب ممن يتخذ منه المعازف، بخلاف بيع السلاح من أهل الفتنة، لأن المعصية تقوم بعينه، وهي الإعانة على الإثم والعدوان، وإنه منهي عنه، بخلاف بيع ما يتخذ منه السلاح كالحديد، لأنه ليس معدا للقتال، فلا يتحقق معنى الإعانة، وذهب الصاحبان من الحنفية، إلى أنه لا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك، لأنه إعانة على المعصية، فهو مكروه عندهما، خلافا للإمام، وليس بحرام، خلافا لما ذهب إليه الجمهور. اهـ.
وهل يشترط العلم بقصد المشتري أم تكفي غلب الظن؟ جاء في الإنصاف للمرداوي: تنبيه: محل هذا الخلاف إذا علم أنه يفعل به ذلك على الصحيح، وقيل: أو ظنه، واختاره الشيخ تقي الدين، وهو ظاهر نقل ابن الحكم، قلت: وهو الصواب. اهـ.
وفي شرح المنهج: وبيع نحو رطب كعنب لمتخذه مسكرا بأن يعلم منه ذلك أو يظنه، فإن شك فيه أو توهمه منه فالبيع له مكروه، وإنما حرم أو كره لأنه سبب لمعصية محققة أو مظنونة أو لمعصية مشكوك فيها أو متوهمة. اهـ.
والظاهر من كلام الفقهاء والأمثلة التي ذكروها أنه لا يشترط تمحض استعمال السلعة في الحرام، بل الحكم معلق بكون المشتري سيستعمل السلعة في حرام، ولو كان سيستعملها في غيره أيضا، ويندرج في الحكم السابق: تعليم العلم لمن علم أنه سيتوصل به إلى محرم، قال الشيخ العلوي الشنقيطي: لطالب العلم ثلاث حالات.. الثالثة: أن يقصد به منافسة العلماء ومباهاة الأقران وهو مع ذلك يحسب أنه بمكانة عند الله، فهذا من الهالكين، ولا ترجى توبته، ومعلمه شريك معه في الإثم إن علم قصده، كبائع سيف لقاطع طريق. اهـ.
وانظر في هذا الفتوى رقم: 69695.
وأما تصميم موقع لتعليم البرمجة لعموم الناس: فلا يدخل في الحكم السابق، لأن العلم أو الظن باستخدامه في معصية غير متحققة حينئذ، فيبقى الحكم على أصل الإباحة، وتؤجر ـ إن شاء الله ـ إن نويت بذلك نفع المسلمين.
والله أعلم.