السؤال
أنا -مع أسفي، وحزني- فتاة ملتزمة، وفي فترة ارتكبت المعاصي، وكنت في كل مرة أقول: بعد هذا سأتوب، وأعود لذنبي –للأسف- لكني تبت، ومرت ثلاث سنوات على توبتي، ورزقت برجل صالح، وأنجبت طفلا، وأديت العمرة، وأقوم الليل، وأحفظ القرآن, ولكني كلما تذكرت ما مضى أشعر بضيق، وندم، ولم أدرك ما فعلت، ولكني علمت فيما بعد أنه من الزنا، فبكيت لجهلي، وأنا الآن متزوجة، وأم، ولكني لا أستطيع النظر في وجه زوجي، فهل أطلب الطلاق؟ وقد قرأت أن من حدثته نفسه بفعل المعصية، ثم التوبة فلا تقبل توبته، ومن سولت له نفسه إباحة المعاصي، فلا تقبل توبته، ويعد منافقا، وتمحى كل أعماله الصالحة السابقة لذنبه، والتالية للتوبة، فهل هذا صحيح؟ أرجو الرد، فأنا لا أستطيع النوم، ولا أستطيع الأكل، وهل أطلب الطلاق من زوجي؛ لشعوري بهذا الندم، مع أني –والله- لم أخن زوجي لحظة، وهذه قصة كانت في الماضي، وماذا أفعل؟ وهل لتوبتي قبول عند الله؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على إقبالك على التوبة، وحرصك بعدها على عمل الصالحات، فنسأل الله أن يزيدك هدى، وتقى، وصلاحا، وأن يعصمك من الفتن ما ظهر منها، وما بطن.
ونوصيك بأن تهوني على نفسك، وأن تستشعري عظمة عفو ربك، وواسع مغفرته، فمن أقبل إليه تائبا -ولو كان كافرا- قبل توبته، فمغفرته لا يعظم معها ذنب، وهو الذي قد فتح باب التوبة أمام جميع المذنبين؛ فقال سبحانه: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}، وقال تعالى: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة{النجم:32}، وروى الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني، ورجوتني، غفرت لك على ما كان فيك، ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة. وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه. والمطلوب من المسلم عند التوبة أن يحقق شروطها، وهي مبينة في الفتوى رقم: 5450.
والندم عند تذكر الذنب علامة خير، ومؤشر على صدق التوبة، ولكن المحذور أن يدفع ذلك المسلم إلى شيء من سوء الظن بالله تعالى، والقنوط من رحمته، واليأس من روحه، وهو القائل سبحانه: قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون {الحجر:56}، والقائل: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {يوسف:87}.
فأعرضي عن أي خواطر سيئة، أو وساوس شيطانية، يريد الشيطان أن ينكد بها حياتك، واستأنفي حياتك مع زوجك كأن شيئا لم يكن، ولا تفكري في أمر الطلاق أصلا، فضلا عن أن تقدمي على طلبه من زوجك، هذا مع العلم بأنه يحرم على المرأة أن تسأل زوجها الطلاق لغير سبب مشروع، وانظري الفتوى رقم: 37112.
وما قرأت من أن من حدثته نفسه بفعل المعصية ثم التوبة، لا تقبل توبته، فلعل المقصود به من يتوب وهو ينوي العودة للذنب، فهذا فعلا لا تقبل توبته؛ لأن من شروط التوبة: العزم على عدم العودة للذنب في المستقبل، كما في الشروط المبينة في الفتوى التي أحلنا عليه سابقا.
وأما من يذنب على أمل أن يتوب بعد الذنب، فهذا قد يوفق للتوبة، وقد يحال بينه وبينها.
وما ذكرت من أمر "من حدثته نفسه بإباحة المعاصي" إن كان المقصود من يستحل المعصية، وهو يعلم تحريمها، فهذا كفر في الجملة، وأما في التفصيل فهنالك ضوابط لذلك، سبق بيانها في الفتوى رقم: 212137.
ونحسب أنك قد تبت توبة صادقة، فلا تهتمي لأي وساوس، وعلى فرض أن هنالك خللا في توبتك، فلا يزال الباب مفتوحا أمامك؛ روى أحمد في المسند عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر.
والله أعلم.