نصيحة لمن ضاقت به الدنيا، ويرغب في الانتحار

0 208

السؤال

ماذا يفعل من ضاقت به الدنيا، ويشعر بضيق الصدر، وعدم السعادة، ويرغب في الانتحار، ولا يقوم بعمل المعروف؛ لأنه ليست له قيمة عنده؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه يجب على هذا الشخص البعد عن التفكير في الانتحار، فإنه محرم، بل من أكبر الكبائر؛ لقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما {النساء:29}.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه ‏بحديدة، فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما ‏فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل ‏نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. رواه البخاري ومسلم.‏

وليعلم أن السعادة تنال بالفرار إلى الله عز وجل، والتوبة الصادقة إليه، والقرب منه، واتباع شرعه، والبعد عن معصيته،  والسعي دائما إلى رضاه، والسير على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وما يجده الإنسان من هم، وغم، وضيق في الصدر، ونكد في العيش، فإن هذا غالبا ما يكون ثمرة من ثمرات المعاصي النكدة، ونتاج من نتاجها المر، قال الله سبحانه: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى {طه:124}.

ومن الأدعية المأثورة المعينة على زوال هذا الأمر ما ثبت عن  النبي صلى الله عليه وسلم  في قوله: ما أصاب أحدا هم، ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه، وحزنه، وأبدله مكانه فرحا، فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد، وصححه الألباني.

وفي صحيح البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يكثر القول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن.

وعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي، وغمي، وقضى ديني. رواه أبو داود.

وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه زاد المعاد جملة من أسباب شرح الصدور ينبغي للمسلم السعي في تحصيلها، والبعد عن ضدها الذي يسبب الضيق، فقال: أعظم أسباب شرح الصدر: التوحيد، وعلى حسب كماله، وقوته، وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه، قال الله تعالى: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه {الزمر: 22} وقال تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء {الأنعام: 125} فالهدى، والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك، والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر، وانحراجه.

ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه، ويفرح القلب، فإذا فقد هذا النور من قلب العبد، ضاق وحرج، وصار في أضيق سجن وأصعبه، وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إذا دخل النور القلب، انفسح ،وانشرح، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله ـ فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسي، والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيقه.

ومنها: العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق، والحصر، والحبس، فكلما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشا.

ومنها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك.

ومن أسباب شرح الصدر: دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه، وحبسه، وعذابه.

ومنها: الإحسان إلى الخلق، ونفعهم بما يمكنه من المال، والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا، وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا، وأنكدهم عيشا، وأعظمهم هما وغما، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، كلما هم المتصدق بصدقة، اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه، ويعفى أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة، لزمت كل حلقة مكانها، ولم تتسع عليه، فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق، وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه. انتهى بتصرف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات