السؤال
ما حكم فعل الخير بمال حرام؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن كسب مالا حراما وجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى من فعله ذاك، وأن يتخلص من هذا المال المحرم برده إلى صاحبه، فإن لم يعلم له صاحب معين، فإنه يطهر منه ماله بجعله في مصالح المسلمين أو الصدقة به على الفقراء والمساكين، وأما أن يفعل به معروفا كصدقة أو نحوها يرجو بذلك ثواب الله كما لو تصدق بمال اكتسبه من وجه مباح فهذا غير جائز، ولا يقبل منه عمله ذاك ولا يثاب عليه، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يكسب عبد مالا حراما فيتصدق منه فيقبل منه، ولا ينفق منه ; فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " رواه أحمد وكذا في " شرح السنة. قال القاري في المرقاة: والمعنى أن التصدق بالمال الحرام سيئة، ولا يمحو الله الأعمال السيئات بالسيئات، بل قال بعض علمائنا: من تصدق بمال حرام ورجا الثواب كفر، ولو عرف الفقير ودعا له كفر (ولكن يمحو السيئ بالحسن) أي: التصدق بالحلال. اهـ
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وأما الصدقة بالمال الحرام، فغير مقبولة كما في " صحيح مسلم " عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول .،، وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال ما تصدق عبد بصدقة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه وذكر الحديث.،،.... وروي عن أبي الدرداء، ويزيد بن ميسرة أنهما جعلا مثل من أصاب مالا من غير حله، فتصدق به مثل من أخذ مال يتيم، وكسا به أرملة.،، وسئل ابن عباس عمن كان على عمل، فكان يظلم ويأخذ الحرام، ثم تاب، فهو يحج ويعتق ويتصدق منه، فقال: إن الخبيث لا يكفر الخبيث وكذا قال ابن مسعود: إن الخبيث لا يكفر الخبيث، ولكن الطيب يكفر الخبيث.،، وقال الحسن: أيها المتصدق على المسكين يرحمه، ارحم من قد ظلمت.،، واعلم أن الصدقة بالمال الحرام تقع على وجهين:،، أحدهما: أن يتصدق به الخائن أو الغاصب ونحوهما، عن نفسه، فهذا هو المراد من هذه الأحاديث أنه لا يتقبل منه: بمعنى أنه لا يؤجر عليه، بل يأثم بتصرفه في مال غيره بغير إذنه، ولا يحصل للمالك بذلك أجر، لعدم قصده ونيته.... الوجه الثاني من تصرفات الغاصب في المال المغصوب: أن يتصدق به عن صاحبه إذا عجز عن رده إليه أو إلى ورثته، فهذا جائز عند أكثر العلماء، منهم مالك، وأبو حنيفة، وأحمد وغيرهم. انتهى مختصرا.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا تصدق بمال حرام فلا تقبل منه؛ لأن الحرام وقع في عين العبادة. انتهى.
والحاصل أن من يفعل المعروف بمال حرام لا يؤجر على ذلك، بل يأثم لتصرفه بما لا يجوز له، وإنما يتصدق به إذا عجز عن رده إلى صاحبه فيتصدق به عنه.
والله أعلم.