السؤال
أود أن أسأل عن أفضل أنواع الصدقات للمتوفى: هل التبرع لمسجد أفضل، أم لأسرة محتاجة؟ أم غير ذلك؟ وهل تعتبر الصدقة لمسجد قائم منذ فترة، صدقة جارية، أم للصدقة الجارية شروط أخرى؟
كما أرجو التكرم بالإفادة ما هي الأدعية التي يدعى بها للمتوفى؟ وهل يجوز أن ندعو للمتوفى بهذا الدعاء:" أعط للمتوفى من خير ما أعطيت نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم، عطاء ما له من نفاد، من مالك خزائن السماوات، والأرض. عطاء عظيما، من رب عظيم. عطاء أنت له أهل، يليق بجلال وجهك، وعظيم سلطانك".؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل الصدقة عن الميت هي الصدقة الجارية التي تسبل منفعتها، ويبقى أصلها؛ كتوفير الماء بحفر بئر، أو إجراء نهر، أو ما أشبه ذلك في الأماكن التي يحتاج أهلها إلى الماء؛ لما رواه الإمام أحمد وغيره عن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله؛ إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء. حسنه الألباني.
وكذلك بناء المساجد، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وبناء المدارس، والمستشفيات؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله تعالى، بنى الله له به بيتا في الجنة. رواه أحمد وغيره، وفي رواية: من بنى لله مسجدا قدر مفحص قطاة، بنى الله له بيتا في الجنة. صححه الألباني.
والصدقة على الأسرة المحتاجة يلحق ثوابها المتوفى أيضا، وهي من أفضل الصدقات كذلك، ومن أعظمها أجرا، كما قال الله تعالى: إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم {الحديد:18}.
ولذلك فإن في بناء المسجد، والصدقة على المحتاجين خيرا كثيرا، وأجرا عظيما. وإذا لم يستطع المسلم الجمع بينهما، فإنه ينظر في درجة احتياج هذه الأسرة، والحاجة إلى المسجد، ويعمل بما ترجح له من ذلك، من باب ترتيب الأولويات, وتقديم الأهم فالأهم.
فقد سئل ابن عثيمين رحمه الله - في فتاوى نور على الدرب: "أيهما أفضل للمسلم الذي أنعم الله عليه: هل يقوم ببناء المساجد، أم يتصدق على الفقراء والمساكين والمحتاجين؟
فأجاب: ينظر إلى أيهم أحوج، فإذا كان في الناس في مسغبة شديدة، يحتاجون إلى المال، فالصدقة عليهم أفضل؛ لأن فيها فك رقاب. وأما إذا كان الناس في خير، وهم محتاجون إلى المساجد، فالمساجد أفضل .... على أن المساجد فيها مزية، وهي أنها من الصدقة الجارية؛ لأن أجرها يستمر ما دام الناس ينتفعون بها. اهـ.
وعلى تقدير أفضلية التبرع لأسرة محتاجة، فإن أمكن أن يجعلها صاحبها صدقة جارية -مزرعة، أو بيتا يؤجر، أو يسكن- ويكون نفعها للأسرة المحتاجة، فيجمع بذلك بين الصدقة الجارية، وسد حاجة المحتاجين، رجي أن يكون ذلك أفضل؛ لأن الصدقة الجارية أفضل من الصدقة المنقطعة؛ كما جاء في حديث أنس مرفوعا: سبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره: من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته. رواه البزار. وحسنه الألباني في صحيح، وضعيف الجامع الصغير.
والصدقة لمسجد قائم يحتاج إلى ذلك بتوسعة، أو إصلاح. تعتبر صدقة جارية بحسبها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 35601
وأما الأدعية للمتوفى، فإنها تصح بكل صيغة تفيد الترحم عليه، والاستغفار له، والأفضل أن تكون بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء ذلك بصيغ متعددة منها قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر له، وارحمه، واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر، وعذاب النار. رواه مسلم.
قال النووي: وبأي شيء دعا جاز؛ لأنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية مختلفة، فدل على أن الجميع جائز. اهـ.
والدعاء المذكور، لا حرج فيه.
والله أعلم.