السؤال
إذا كان الإنسان يعرف خاتمته عند موته من معاينته لصورة ملك الموت، ورحلة الملائكة بروحه إلى السماوات، وحتى القبر، ثم يتعرض في قبره للاختبار، ومن ثم يفتح له باب الجنة، أو باب النار.
فلم يكون الموتى في خشية من يوم القيامة بعد البعث، وفي انتظار تلقي كتاب كل منهم بيمينه، أم بشماله، وقد عرفوا مصائرهم، وقضوا ربما آلاف الأعوام في قبورهم منعمين، أو معذبين؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي يوم القيامة من المشاهد، والمواقف، والأهوال ما هو كاف لفزع، وخوف أي شخص، حتى لو كان قد بشر قبل بالنجاة، حيث يتغير نظام الكون بشكل لم يألفه الإنسان، فتدنو الشمس من الخلائق قدر ميل، وتبدل الأرض غير الأرض، وتطوى السماوات كطي السجل للكتب، ويؤتى بالنار ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، الى غير ذلك من المشاهد المفزعة، وقد أشار سبحانه إلى شدة الهول في ذلك اليوم، فقال: يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد {الحج:2}.
ولهذا فلا غرابة - والحال هذه - أن يكون المؤمن الذي بشر بالجنة في قبره خائفا، وجلا في الموقف، بل الأنبياء، والمرسلون الذين هم في ظل الرحمن يوم القيامة، يفزع الناس إليهم ليطلبوا من الله تعالى فصل القضاء، فكل منهم يقول: نفسي، نفسي.
وقد بينا في الفتويين: 129060 - 17787 أسباب خوف المؤمنين يوم القيامة بشيء من التفصيل، فراجعها.
وأما بالنسبة لخوف الكفار، وفزعهم يومئذ فأسباب ذلك جلية، وواضحة، وهي أنهم - إضافة إلى هول الموقف، ورهبته، وفظاعته - يعلمون أنهم فرطوا في جنب الله تعالى، فلم يمتثلوا ما أمرهم به، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه، وقد جاء ما كانوا يكذبون به، وينكرونه من بعث، ونشور، وجنة، ونار. وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون {الجاثية:24}.
فأصبح عذابهم، وهلاكهم عين اليقين، فلذلك: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه {المعارج:11-14}.
فهم - إذن - في خوف شديد من عذاب الله الذي أصبح ماثلا بين أيديهم، يرونه رأي العين، ولم يعد - كما كان في الدنيا - أمرا غيبيا يخبرون به فيكذبون، ويعرضون.
ويزيد من خوفهم، وحسرتهم أنه ليس في مقدورهم إنكار أي شيء؛ لأن أفعالهم كلها مكتوبة، وجوارحهم شاهدة عليهم؛ قال تعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا {الكهف:49}، وقال سبحانه: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون {يس:65}.
نسأل الله لنا، ولك، ولجميع المسلمين السلامة والعافية، وأن يجعلنا وإياكم من الناجين: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم {الشعراء:88- 89}.
والله أعلم.