السؤال
يا شيخ أنا سمعت فتوى من شيخ أن الذي ينوي فعل معصية، ويقول إن الله غفور رحيم، ويفعلها ثم يتوب ويرجع إليها هكذا، لا يقبل الله منه لأنه مكر، هل هذا الكلام صحيح؟ وحتى إذا شخص سمع نكتة أو فكاهة عن الاستهزاء بالدين وضحك، ثم قال إذا انتهيت سأرجع وأدخل في الإسلام وأغتسل وأتوب، هل الله يقبل منه أو لا يا شيخ؟ ويا شيخ أنا صرت أوسوس وأخاف من الكفر يا شيخ، وأنا سببت النبي صلى الله عليه وسلم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالإعراض الكلي عن هذه الوساوس، واشغل نفسك عنها بالتعلم والدعوة إلى الله تعالي، واعلم أنه لا يحصل بفعل المعصية وتكرارها الحرمان من التوبة إذا تاب العاصي نادما على المعصية، ثم غلبته نفسه ورجع إلي المعصية مرة أخرى، فقد قال الله تعالي: ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم {التوبة:104}، وقال تعالي: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {الشورى:25}،
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، واعمل ما شئت فقد غفرت لك.
وقد قيل للحسن البصري ـ رحمه الله ـ: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار. وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين ـ يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب ـ كما في جامع العلوم والحكم (1/415).
وقال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان، كما في مجموع الفتاوى لابن تيمية. (7/492).
وقال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة، بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته، وقوله في الحديث: اعمل ما شئت ـ معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. اهـ
وأما الإصرار على الذنب فهو أمر خطير، وهو دليل على عدم صدق الندم، فقد قال الله تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون {آل عمران:135}.
وفي مسند أحمد: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون.
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: ولم يصروا على ما فعلوا ـ فيه إشارة إلى أن من شرط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب، وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب. اهـ.
وقال أيضا : وقال القرطبي في المفهم يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الإصرار، ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة، ويشهد له حديث: خياركم كل مفتن تواب، ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة، فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال أستغفر الله بلسانه، وقلبه مصر على تلك المعصية، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار، قلت ويشهد له ما أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس مرفوعا: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. والراجح أن قوله: والمستغفر إلى آخره موقوف، وأوله عند ابن ماجه والطبراني من حديث ابن مسعود وسنده حسن، وحديث: خياركم كل مفتن تواب. ذكره في مسند الفردوس عن علي، قال القرطبي: وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب، وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة، لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والإلحاح في سؤاله، والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه، قال النووي في الحديث: إن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته، وقوله: اعمل ما شئت معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. انتهى.
وراجع في شأن الضحك والاستهزاء الفتاوى التالية أرقامها: 122556، 145505، 122926، 144151.
والله أعلم.