اليأس من رحمة الله بين المؤمنين والكافرين

0 180

السؤال

كيف يأمر الله بأن لا نيأس من رحمته, ومع ذلك يئس أبو لهب من رحمته حين قال: تبت يدا أبي لهب وتب... إلى آخر الآيات؟ وهل من الممكن أن يؤيس الله عبدا من رحمته؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا وإن كنا مأمورين بأن لا نؤيس الناس أو نقنطهم من رحمة الله تعالى، فهذا لأننا لا نعلم الغيب, ولا ندري خواتيم الأعمال، وليس إلينا الحكم في الدنيا ولا في الآخرة, وأما الله تعالى فله الخلق, وله الأمر، وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون {القصص:70}، فيغفر لمن يشاء رحمة منه وفضلا، ويعذب من يشاء حكمة منه وعدلا، وهو سبحانه أعلم بمواضع فضله، ومواقع عدله.
ثم إن الله تعالى لم يأمر عموم البشر بأن لا ييأسوا من رحمته, بل حكم على من كفر منهم بهذا اليأس، فقال: {والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم} [العنكبوت: 23] قال القرطبي: (أولئك يئسوا من رحمتي) أي: من الجنة، ونسب اليأس إليهم، والمعنى: أويسوا. اهـ.
وهذه الحقيقة ـ أعني: حقيقة يأس الكفار من رحمة الله، واستحقاقهم للعذاب, والعقوبة, والحرمان من الهداية ـ قد نص عليها القرآن في مواضع كثيرة، كما في قوله تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97], وقوله عز وجل:{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} [الجاثية: 23]، وقوله سبحانه: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار} [الزمر: 19] قال البغوي: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: من سبق في علم الله أنه من أهل النار. وقيل: كلمة العذاب قوله: {لأملأن جهنم}. وقيل: كلمة العذاب قوله: "هؤلاء في النار ولا أبالي". {أفأنت تنقذ من في النار} أي: لا تقدر عليه. قال ابن عباس: يريد أبا لهب وولده. اهـ.
وبذلك يعرف جواب سؤال السائل: (هل من الممكن أن يؤيس الله عبدا من رحمته؟) وهو: نعم، إذا كان هذا العبد مستحقا لذلك؛ لرده الحق, وإعراضه عنه، بعد ما تبين له، قال تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأنعام: 110] قال السعدي: أي: ونعاقبهم، إذا لم يؤمنوا أول مرة يأتيهم فيها الداعي، وتقوم عليهم الحجة، بتقليب القلوب، والحيلولة بينهم وبين الإيمان، وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم. وهذا من عدل الله، وحكمته بعباده، فإنهم الذين جنوا على أنفسهم، وفتح لهم الباب فلم يدخلوا، وبين لهم الطريق فلم يسلكوا، فبعد ذلك إذا حرموا التوفيق، كان مناسبا لأحوالهم. اهـ.
فالناس إذن قسمان وفريقان:{فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون} [الأعراف: 30]. فأهل الهداية والإيمان لا يقنطون من رحمة الله، وفيهم يقول تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } [الزمر: 53] وأما أهل الضلال والكفران فهم أهل اليأس والقنوط من رحمة الله، وفيهم يقول سبحانه: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] ويقول عز وجل: {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} [الحجر: 56]. وراجع للفائدة عن حال أبي لهب الفتوى رقم: 111166.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات