السؤال
أنا طالبة في الثانوية من عائلة تقية حافظة للقرآن، ـ والحمد لله ـ مشكلتي هي نفسي أنا أحيانا أحب أن أكون قريبة لربي وأطيعه، وأحيانا ـ والعياذ بالله ـ أبعد نفسي عنه وأفعل بعض المحرمات، وأقول في نفسي أنني لا أستحق قربي من الله، ولا أستحق الجنة، أحب أن أضر نفسي في بعض الأحيان، وأحيانا أخرى أخاف على نفسي كثيرا أكثر من اللزوم، تعبت من تقلبات مزاجي وصرت أخاف من نفسي، أفكاري الآن سوداوية وكئيبة أكره الجميع وكل شيء، صرت أبعد ما يكون من ربي، وأعلم أنني بعد أيام سأقبل إليه وأتقرب منه، ثم بعدها سأبتعد مجددا؛ لذا لا أريد أن أتقرب منه إذا كنت سأبتعد مرة أخرى، في الحقيقة صرت هذه الأيام لا أفعل سوى أداء الفرائض، ولست أخشع فيها أيضا مع الأسف، وإذا تأخرت على صلاة ما أقول سأقضيها فيما بعد ولست أقضيها، أنا أكره نفسي، حاولت إصلاح نفسي مليون مرة ولكن لا جدوى، أحيانا أتمنى لو لم أكن شيئا مذكورا.
ساعدوني أرجوكم. أنا حقا خائفة من نفسي، وأخاف أن أرتكب حماقات سأندم عليها باقي حياتي.
وفقكم الله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك التوفيق إلى كل خير، والسلامة من كل سوء، وأن يعينك على الثبات على الحق، وأن يعيذك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونوصيك بالالتجاء إلى الله والاحتماء بحماه، فمن لزمه صار إلى ركن ركين. قال تعالى: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون {النمل:62}.
واعلمي أنك على خير ما دمت تلومين نفسك على التقصير، فقد أقسم الله تعالى بالنفس اللوامة فقال: ولا أقسم بالنفس اللوامة {القيامة:2}، نقل ابن القيم في مدارج السالكين عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ أنه قال : هي النفس المؤمنة، إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمة كذا، ما أردت بأكلة كذا، ما أردت بكذا، ما أردت بكذا، وإن الفاجر يمضي قدما قدما، ولا يحاسب نفسه ولا يعاتبها. اهـ.
والمطلوب منك المبادرة فورا إلى التوبة النصوح، وهي التي استوفت شروطها، والتي قد بيناها في الفتوى رقم: 5450، فإذا صدقت التوبة، وحزمت وعقدت العزم على عدم العودة للذنب، وضعفت نفسك ورجعت للذنب مرة أخرى، فلا تترددي في تجديد التوبة مرة أخرى، ولا تستسلمي لوساوس الشيطان ومحاولته توريطك في اليأس من روح الله والقنوط من رحمته، فقد قال سبحانه حكاية عن يعقوب عليه السلام مع أبنائه: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {يوسف:87}. روى البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يحكى عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب واعمل ما شئت فقد غفرت لك، قال عبد الأعلى لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة اعمل ما شئت.
قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة، بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته، وقوله في الحديث: اعمل ما شئت ـ معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. اهـ. وليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى، والحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله.
ونوصيك بالحرص على كل وسيلة يمكن أن تعينك على الثبات على الهداية والصلاح، وأن تبتعدي عن كل ما يؤدي بك إلى الضلال والفساد، ولنا في هذا عدة فتاوى نحيلك منها على الأرقام الالية: 10800، 12744، 12928.
نسأل الله أن نسمع عنك كل خير، ويمكنك ـ عند الحاجة ـ التواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا على الرابط التالي:
http://consult.islamweb.net/consult/index.php?page=listing&pid=3132
وننبه في الختام إلى وجوب قضاء ما فات من الصلوات، وراجعي الفتوى رقم: 12700.
والله أعلم.