السؤال
أولا: هل ينال المسلم أجر الصدقة كاملة بمجرد إخراجها (مثل: وضعها في صندوق التبرعات الذي يكون في المساجد، أو تسليم المال لمن يوصله للمحتاجين، أو إعطاء المال للجمعية الخيرية) أم ينال أجر الصدقة حين تصل للمحتاج؟
ثانيا: هل هناك فرق في الأجر بين أن أضع الصدقة في صندوق التبرعات أو أعطيها للجمعية الخيرية وبين أن أوصلها بيدي ليد محتاج أو فقير أو مسكين أو أرملة أو يتيم أو ما شابه ذلك؟
ثالثا: هل ينال الإنسان الأجر إن تصدق على نفسه أو أهله (أقصد: أنفق على نفسه أو أهله بما يحتاجون) هل هو نفس الأجر لو أخرجه الإنسان لفقير أو محتاج قريب أو غريب؟ وإن كان كلا فأيها أعظم أجرا؟
رابعا: كيف يمكنني أن أطبق هذا القسم من الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أطعم منكم اليوم مسكينا" أعني: هل يكفي إخراج الصدقة على التفصيل المذكور أعلاه أم يجب إعطاء المال للمسكين بيده أم يجب شراء طعام وإعطاؤه للمسكين؟
وجزاكم الله تعالى خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما أولا: فإن دفعك الصدقة إلى وكيلك ليعطيها الفقير لا يتم به أجر التصدق -على ما يظهر لنا- حتى يقبض الفقير الصدقة؛ لأن الوكيل بمنزلتك في الدفع، ولذا نص الفقهاء على أن من وكل في دفع صدقة إلى الفقير فله الرجوع ما لم يقبضها الفقير، قال في شرح المنتهى: ومن ميز شيئا للصدقة به أو وكل فيه -أي: الصدقة- بشيء، ثم بدا له أن لا يتصدق به، سن له إمضاؤه مخالفة للنفس والشياطين. ولا يجب عليه إمضاؤه؛ لأنها لا تملك قبل القبض. انتهى.
وأما صناديق الجمعيات الخيرية المقامة من طرف الحكومة: فالذي يظهر أنها بمثابة العمل على الصدقات، ومن ثم؛ يحصل الأجر بمجرد الدفع لها لقيامها مقام الفقير في قبض الصدقة، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الجمعيات الخيرية تتلقى هذه الأموال بمقتضى أمر وإذن من الحكومة، فهي كالعاملين على الصدقة، فيكون قبضها قبضا شرعيا بالنيابة عن الفقراء. انتهى.
والأولى والأفضل للمتصدق: توزيع صدقته على الفقراء، ودفعها إليهم بنفسه، إن كان يتمكن من ذلك، وانظر الفتوى رقم: 95222.
وأما إنفاق المال على النفس والأهل لكفايتهم وإعفافهم: فهو أعظم أجرا من الصدقة، كما جاءت بذلك الأحاديث: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا: الذي أنفقته على أهلك. أخرجه مسلم.
وفي صحيح مسلم أيضا: عن ثوبان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة: "وبدأ بالعيال. ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم أو ينفعهم الله به، ويغنيهم؟!
وعن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأما حديث: "من أطعم منكم اليوم مسكينا.." فظاهره: أن الثواب إنما يحصل بالإطعام، وذلك يكون بدعوة المسكين على الطعام أو بدفع الطعام إليه، كما جاء في سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن، فأخذتها منه فدفعتها إليه. والحديث قال عنه الإمام النووي في المجموع: إسناده جيد. وأما دفع المال إليه: فهو من الصدقة، وليس من الإطعام.
والله أعلم.