الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك التوفيق والعون على حفظ القرآن، ونفيدك انه لا يجوز للمسلم أن يطلب العلم أو يحفظ القرآن الكريم بقصد الشهرة أو الاشتراك في المسابقات، أونيل عرض من أعراض الدنيا، بل الواجب أن يتمحض العمل لله تعالى، ففي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. وفي رواية: فأنا بريء منه، وهو للذي أشرك.
وفي الحديث: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ـ يعني ريحها ـ. رواه أبو داود والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي والنووي،
فعليك أن تجاهدي نفسك على المواصلة في حفظ القرآن مخلصة لله تعالي في ذلك، ومما يساعد على ذلك استحضار فضل حفظ القرآن وما فيه من الثواب والأجور العظيمة.
وهذا في خصوص قولك: وما حكم حفظ وتحفيظ القرآن من أجل المسابقات والجوائز والشهرة.. لكن هذا لا يتعارض مع إباحة المشاركة في المسابقات، فمن تعلم القرآن لوجه الله تعالى ثم وجد جهة تنظم مسابقة فيه لتكريم الحفاظ فلا حرج عليه في المشاركة فيها على الراجح، فقد قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه: " الفروسية":
(المسألة الحادية عشرة: المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة، والإصابة في المسائل، هل تجوز بعوض؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي، وهو أولى من الشباك والصراع والسباحة، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد، فهي في العلم أولى بالجواز، وهذا القول هو الراجح) انتهى.
وقال في موضع آخر من كتابه: (وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل، لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد القوة للجهاد فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب ويعز الإسلام وتظهر أعلامه أولى وأحرى.، وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية). اهـ
وأما ترك مواصلتك الدراسة بالمدرسة التي لا تجدين ما يعوضها بسبب ما ذكرت من معاملة المدرسة لك بعنصرية وأنها كانت لا تراجع لكن ما فات، وانما تريد أن تحفظن وتشاركن ويعلو صيتكن وشهرتكن، فقد كان الأولى بك الصبر على ما تيسر من التعلم في المدرسة، وأن تحاولي التكميل بالبيت، أو تستعيني بتسميع أحد افراد الاسرة بواسطة المصحف، ولو أنك تحاورت مع المدرسة بلطف وبينت لها طريقة التدريس التي ترغبينها فلا حرج في ذلك، ولكن أهل العلم يحضون على الصبر على معاملات المدرسين كما قال الشافعي ـ رحمه الله:
فصبرا على مر الجفا من معلم * فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة * تجرع ذل الجهل طول حياته اهـ
كما أن ترك المدرسة خوفا من الرياء خطأ، فقد ذكر أهل العلم أن من تلبيس الشيطان ترك بعض الأعمال الصالحة مخافة الرياء، قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ كما في شعب الأيمان: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
وانما كان ينبغي لك المواصلة بالمدرسة ومجاهدة الشيطان والنفس في إخلاص العمل لله, وإذا قال لك الشيطان: أنت مرائية, فأعرضي عن وسوسته, وزيدي في بذل الجهد في الدراسة, فقد قال الحارث بن قيس ـ رضي الله عنه ـ كما في تلبيس إبليس لابن الجوزي: إذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال: "إنك ترائي" فزدها طولا.
وجاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: مما يقع للإنسان أنه أراد فعل طاعة يقوم عنده شيء يحمله على تركها خوف وقوعها على وجه الرياء، والذي ينبغي عدم الالتفات إلى ذلك، وللإنسان أن يفعل ما أمره الله عز وجل به ورغبه فيه، ويستعين بالله تعالى، ويتوكل عليه في وقوع الفعل منه على الوجه الشرعي.
وقد قال الشيخ محيي الدين النووي ـ رحمه الله ـ: لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعا، ويقصد به وجه الله عز وجل. وذكر قول الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ: إن ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك قال: فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة، لانسد عليه أكثر أبواب الخير. انتهى كلامه.
وليس عندنا ما يجزم به في شأن ما حصل لك من العسر والعقبات وما يحصل لك من الإسهال إذا شربت ماء الرقية.
ثم إن العين حق، كما في حديث الصحيحين، ويشرع التحصن منها بالمواظبة على الأذكار والتعوذات المأثورة، ولا حرج عليك في التحفظ منها بستر نفسك والاعتذار عن المسابقة كما عمل يعقوب عليه السلام إذ أمر بنيه أن لا يدخلوا من باب واحد، وقال ابن القيم في الزاد في علاج العين: ومن علاج ذلك والاحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ رأى صبيا مليحا قال دسموا نونته لئلا تصيبه العين ثم قال في تفسيره، ومعنى دسموا نونته أي سودوا نونته، والنونة النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير. انتهى.
ولا حرج عليك في الرقية الشرعية منها، فإن الرقية تشرع لمن تؤكد من إصابته، وتشرع لمن يشك في إصابته، بل وتشرع لمن لم يصب، وذلك لدفع المكروه قبل وقوعه.
وراجعي للمزيد في هذا وفي الرقية من العين الفتاوى التالية أرقامها: 24373، 73744، 71554، 58591، 52520 .
والله أعلم.