السؤال
ماحكم من يكون لديه شعور بالخوف من الموت؟ وهل يؤثم الذي يخاف من الموت؟ وخاصة الذين لا يريدون أن يموتوا ويحاولون أن يبتعدوا عن أي سبب قد يؤدي بشكل مباشر إلى الموت كالجهاد وغيره.
ماحكم من يكون لديه شعور بالخوف من الموت؟ وهل يؤثم الذي يخاف من الموت؟ وخاصة الذين لا يريدون أن يموتوا ويحاولون أن يبتعدوا عن أي سبب قد يؤدي بشكل مباشر إلى الموت كالجهاد وغيره.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخوف من الموت منه ما يحمد، ومنه ما يذم على ما هو مبين في الفتوى رقم: 115150.
ونفس الخوف من الموت وكراهيته أمر جبلي، فلا يذم، وفي الحديث القدسي المشهور: وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له من الموت. رواه البخاري.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت عائشة رضي الله عنها: أكراهية الموت؟ فكلنا يكره الموت... الحديث.
إلا أن الخوف من الموت وكراهيته يذم إذا حمل على ترك الطاعات والقعود عن الواجبات، فإذا حمل الخوف من الموت الشخص على ترك ما أوجبه الله عليه، فليعلم أن هذا مرض في قلبه وليجتهد في علاجه ومداواته، ويكون ذلك باستحضار أن خوفه وفراره من الموت لا يقدم ولا يؤخر، وأن تركه لطاعة الله لن يزيد في حياته ساعة لم يقدر الله له أن يعيشها، فإنه إذا جاء الأجل لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وقد فر ناس من الجهاد حذر الموت فأتاهم الموت كما أخبر الله عنهم بقوله: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم {البقرة:243}.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: والمقصود من هذا موعظة المسلمين بترك الجبن، وأن الخوف من الموت لا يدفع الموت، فهؤلاء الذين ضرب بهم هذا المثل خرجوا من ديارهم خائفين من الموت، فلم يغن خوفهم عنهم شيئا، وأراهم الله الموت ثم أحياهم، ليصير خلق الشجاعة لهم حاصلا بإدراك الحس، ومحل العبرة من القصة هو أنهم ذاقوا الموت الذي فروا منه، ليعلموا أن الفرار لا يغني عنهم شيئا، وأنهم ذاقوا الحياة بعد الموت، ليعلموا أن الموت والحياة بيد الله، كما قال تعالى: قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل {الأحزاب: 16}. انتهى.
فإذا كان الفرار لا يزيد في العمر والإقدام لا ينقص منه، فإن العاقل يربأ بنفسه عن مخالفة أمر الله فرارا مما لا جدوى من الفرار منه، قال تعالى: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم {آل عمران:154}.
وإذا كان العبد لابد ميتا فليعلم أنه إن مات على طاعة الله تعالى فهو صائر إلى خير عظيم، فليست هذه الحياة نهاية المطاف، بل ثم حياة أبدية في نعيم مقيم لمن أخلص لله وقدم مرضاته على كل شيء، واستحضار ثواب الله وما أعده للمتقين في الآخرة يهون على المسلم اقتحام المخاطر وامتثال كل ما أمر الله به واجتناب كل ما نهى عنه كائنا في ذلك ما هو كائن، وتمثل سير الصالحين من سلف هذه الأمة ومطالعة أخبارهم وما كانوا عليه من عدم المبالاة بالشدائد والأهوال إذا كان ذلك في مرضات الله تعالى من أعظم البواعث على التخلق بهذه الأخلاق الكريمة اقتداء بهم وقفوا لآثارهم، قال خبيب ـ رضي الله عنه ـ حين قربه المشركون للقتل:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع.
أخرجه البخاري في صحيحه.
فعلى المسلم أن يفوض أمره لله ويتوكل عليه ويثق بحسن اختياره وتدبيره له، ويسأله إن أماته أن يميته على خير، وأن يجعل الحياة زيادة له في كل خير، والموت راحة له من كل شر.
والله أعلم.