السؤال
فضيلة الشيخ:
سؤالي من شقين:
الشق الأول: هل صلة الرحم من حقوق الله أو من حقوق الخلق؛ لأنه إذا كان من حقوق الخلق فلو أسقط ذو الرحم حقه من الصلة فإنها تسقط، أليس كذلك؟
الشق الثاني: من المعلوم أن الواجب إذا ترتب عليه مفسدة تربو على مصلحة الواجب فإنه يسقط، وأنا لي أخت شقيقة تحمل في نفسها علي الضغينة، ولا تريد أن نلتقي أبدا، فإذا سمعت صوتي أدخل البيت انصرفت إلى غرفتها، ولا تسلم علي، بل ولا تضع عينها في عيني، فواضح من حالها أنها لا تريد الصلة، فهل تسقط صلتها؛ لأني إذا وصلتها وهي على هذه الحال فربما أساءت إلي، ثم يتطور الأمر إلى مشاجرة؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صلة الرحم فريضة من فرائض الله عز وجل على عباده، فقد قال الله سبحانه وتعالى: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا {النساء:1}.
وحذر سبحانه من قطعها، فقال عز وجل: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم [محمد:22-23].
ومن ثم فهي حق من حقوق الله تعالى؛ لأنها من الفرائض والواجبات التي افترض على عباده، وانظر الفتوى رقم: 110527.
وهذا الحق جعله الله تعالى لذوي الأرحام على بعضهم البعض، فأوجب صلتهم وحرم قطعهم، ولا يسقط حق الصلة بإساءتهم أو إظهار بغضهم وعداوتهم للشخص، كما أوضحناه في الفتويين التالية أرقامهما: 196331، 136334.
وإنما يسقط من ذلك ما يتسبب في إساءتهم وأذيتهم؛ سواء كانت المحادثة أم الزيارة، وتبقى صور أخرى كالدعاء لهم، وتقديم العون والخدمة، وتفقد أحوالهم، وإلقاء السلام عليهم، وللمزيد فيما ذكره أهل العلم من صور صلة الرحم تنظر الفتوى رقم: 8744.
وعلى هذا، فإن الواجب عليك صلة أختك المذكورة، ولا يبرر ما ذكرت قطع رحمها، لكن إن كان في صلتها بالزيارة والكلام ضرر وإساءة عليك، فيمكن أن تصلها بأنواع الصلة الأخرى الكثيرة، والتي من أقلها إلقاء السلام وترك الهجران، كما قال القاضي عياض: وصلة الأرحام درجات بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام.... اهـ
والصلة تحصل بكل ما يعد صلة عرفا، قال الشيخ محمد الصالح العثيمين ـ رحمه الله ـ: وصلة الأقارب بما جرى به العرف واتبعه الناس؛ لأنه لم يبين في الكتاب ولا السنة نوعها، ولا جنسها، ولا مقدارها؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقيده بشيء معين، بل أطلق؛ ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة. انتهى.
فكل ما تحصل به الصلة، وينتفي به وصف القطيعة عرفا، تتحقق به الصلة الواجبة، وتنتفي القطيعة المحرمة شرعا، وللمزيد تنظر الفتوى رقم: 245188.
وفي الأخير ننصحك بأن تصل أختك بأكمل أنواع الصلة، وأن تحاول إزالة ما في نفسها تجاهك من ضغينة وحقد، وإن لم تتمكن من ذلك بنفسك، فيمكن أن تستعين بغيرك من الأهل والأقارب ليتوسطوا بينكما.
والله أعلم.