السؤال
أمي ظالمة؛ ظلمتني صغيرا وكبيرا، ولا زالت تفرق بيني وبين إخوتي في المعاملة، وكانت تسلط أبي وتكذب عليه بادعاء تسببي للمشكلات في البيت، وهذا محض كذب في الغالب الأعم، ونتيجة لذلك كان أبي يضربني دون أن يسألني، كما كانت تسلط أخي الكبير الذي كانت تفضله علي، وتشجعه على إيذائي، وكان نتيجة ذلك عاهات مستديمة لدي، وكانت تطردني باستمرار خارج المنزل، وأنا أكرهها جدا.
وسؤالي: لقد قال الله -عز وجل-: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما)، وجاء عن سيدنا عمر الأثر الذي فيه: "أجئت إلي تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك". وهي تفرق في كل شيء، سواء كان معنويا أو ماديا، وكلما آذتني وسبتني لم أستطع تمالك نفسي، فتتفلت من لساني كلمات الإساءة، نظرا لما أراه منها، ولما أعانيه -أيضا- من اكتئاب بسبب هذه الظروف الأسرية السيئة، وأيضا عدم وجود العمل، وكوني انطوائيا منذ صغري؛ ولهذه الأسباب لا صديق لي لأشكوه همي، وقد قرأت عن حقوق الأبناء على الآباء بهذه الصفحة في إسلام ويب: http://consult.islamweb.net/ramadan/index.php?page=article&lang=A&id=12615
وأنا في الواقع لا أستطيع احتمالها بعد كل هذه الأذية، وأنا حاليا أقاطعها لأنها كلما كلمتني تسيء إلي، وتفضح أي شيء تعلمه عني -من مرض وخلافه- للغريب والقريب بعد أن تتجسس على أشيائي، ولا زالت على تفرقتها الشديدة تلك، وتصر إصرارا عليها رغم كلامي معها، ورغم نصيحة أكثر من شخص لها، فهل علي شيء إن قاطعتها؟ وإن كان الحال ذلك عند الشجار معها، وأفلتت كلمات من لساني، فهل علي شيء؟ وهل الآية المذكورة في أصل الإحسان فقط؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الحال كما ذكرت؛ فهي ظالمة لك، ويحرم الظلم والكذب، لكن ذلك لا يسقط حقها عليك في البر، ولا يبيح لك الإساءة باللسان، ولا الإغلاظ لها في الكلام، أو نحو ذلك، وإنما الواجب عليك برها وطاعتها في المعروف؛ فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، فقال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون {لقمان:14}.
قال الشيخ/ السعدي في تفسيره عند قوله تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون {لقمان:15}: ولم يقل: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما، بل قال: فلا تطعهما؛ أي: بالشرك، وأما برهما فاستمر عليه، ولهذا قال: وصاحبهما في الدنيا معروفا؛ أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما. اهـ.
وعليك بمقابلة السيئة بالحسنة؛ فإن ذلك مما يجلب المودة، ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}.
فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء، فكيف بالوالدين اللذين هما أرحم الناس بالولد؟!
وإذا كنت حريصا على البر وصدرت منك فلتة لسانية بسبب الغضب، فنرجو أن لا يؤاخذك الله بها، لقوله تعالى: ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا {الإسراء:25}، كما قال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: (إن تكونوا صالحين) أي: صادقين في نية البر بالوالدين، فإن الله يغفر البادرة. اهـ. من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
وأما الهجر للوالدة: فلا يجوز. وراجع الفتوى رقم: 22420، والفتوى رقم: 40427.
والله أعلم.