حكم أكل الوصي والضيوف من مال اليتيم

0 505

السؤال

توفي زوجي، وهو ليس موظفا ولا راتب له، و لكنه ترك مبلغا من المال تم توزيعه على الزوجة والأولاد (ولد 11 وبنتان 9 و 13)، كيف أصرف على الأولاد من المبلغ المخصص لهم من الطعام و الشراب، هل آكل معهم؟ كيف أقسم الطعام للذكر والأنثى أم لا؟ وهل يجوز أن يأكل أي أحد يزورنا مما اشتريته من هذا المال؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فابتداء نسأل الله تعالى أن يأجركم في مصيبتكم ويصبركم ويعينكم، ثم اعلمي أنه لا ولاية للأم على مال أطفالها الأيتام إلا أن تكون وصية عليهم من قبل أبيهم المتوفى، فإن لم تكن وصية عليهم ولم يكن وصى غيرها عليهم، فإن الذي يتولى إدارة أموالهم والتصرف فيها على الراجح هو جدهم إن كان رشيدا وقادرا على القيام بمصالحهم، فإن لم يكن جد فإنه يتولى ذلك السلطان أو نائبه كالقاضي الشرعي، وراجعي في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 55681، 28545.
فإذا آلت إليك الوصاية على هؤلاء الأيتام، فإنه لا حرج على الوصي في خلط طعام الأيتام بعضه ببعض، وكذلك خلط طعامه بطعامهم، إذا كان ذلك بنية الإصلاح وأرفق بالأيتام وأصلح لهم، وليس فيه محاباة لمال الوصي على حساب أموالهم، وجاء في (الموسوعة الفقهية): للفقهاء في خلط مال الوصي بمال اليتيم تفصيل:
فقال الحنفية: لوصي الأيتام أن يخلط نفقتهم فينفقها عليهم جملة إذا كان ذلك أنفع لهم، اتحد مورثهم أو اختلف، دلل الجصاص على ما ذهب إليه الحنفية بقول الله عز وجل: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم} قائلا: فيه دلالة على جواز خلط مال اليتيم بمال الولي، وهذه المخالطة مقصودة بشريطة الإصلاح لليتيم من وجهين: أحدهما تقديمه ذكر الإصلاح فيما أجاب به من أمر اليتامى {قل إصلاح لهم خير}، والثاني: قوله: {والله يعلم المفسد من المصلح}.
ونص المالكية على أنه لا بأس بخلط الوصي نفقة يتيمه بماله إذا كان رفقا لليتيم، ويمتنع رفقا للولي، ولأن الإفراد قد يشق وخاصة في بيت.
وقال الشافعية: ليس للوصي خلط ماله بمال اليتيم إلا في المأكول كالدقيق واللحم للطبخ ونحوه مما لا بد منه للإرفاق، وعليه حمل قوله تعالى: {وإن تخالطوهم}.
وقال الحنابلة: لولي المحجور عليه خلط نفقة موليه بماله إذا كان خلطها أرفق، لقوله تعالى: {وإن تخالطوهم فإخوانكم}، وإن كان إفراده أرفق به أفرده مراعاة للمصلحة. اهـ.
وقال السعدي في تفسير الآية السابقة: لما نزل قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} شق ذلك على المسلمين، وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى، خوفا على أنفسهم من تناولها، ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأخبرهم تعالى أن المقصود إصلاح أموال اليتامى بحفظها وصيانتها والاتجار فيها، وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى؛ لأنهم إخوانكم، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه، والمرجع في ذلك إلى النية والعمل، فمن علم الله من نيته أنه مصلح لليتيم، وليس له طمع في ماله، فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس، ومن علم الله من نيته أن قصده بالمخالطة التوصل إلى أكلها وتناولها، فذلك الذي حرج وأثم، والوسائل لها أحكام المقاصد. اهــ. وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 169327، والفتوى رقم: 148993، وما أحيل عليه فيها.
وأما مسألة أكل الزائرين والأضياف من هذا المال المختلط، فينبغي فيها مراعاة حق الأيتام، بحيث لا يكون في ذلك إضرار بأموالهم ولا حيف عليهم، جاء في فتاوى النووي: مسألة: رجل وصي على أيتام، وله أولاد وعيال، وله ولهم ملك مشترك، ويأكلون كلهم جميعا، ويضيف الوصي بعض الأوقات ناسا من ذلك الطعام المشترك بينه وبين الأيتام، هل يجوز له ذلك؟
الجواب: يجوز له ذلك كله بشرط أن لا يكون على الأيتام حيف في ذلك. اهـ.
ولبيان ضابط هذا الحيف ننقل ما ذكره ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الفقهية الكبرى) حيث قال: الضيافة لتأكدها سامحوا فيها ما لم يسامحوا في غيرها، مع أنه ليس فيها تفويت شيء على اليتيم؛ لأن الصورة أن الولي هيأ ذلك الطعام المشترك بينه وبين اليتيم، ثم أفرز منه لليتيم كفايته، فبقيت حصة الولي، فله أن يستقل بأكلها وله أن يشرك غيره معه فيها، فلا وجه لمنعه من ذلك، وقد أشار النووي لما ذكرته بقوله: "بشرط أن لا يكون على الأيتام حيف في ذلك" ولا يتصور انتفاء الحيف إلا في الصورة التي ذكرتها... لو فرض أنه نزل به أضياف لم يجز له أن يزيد لأجلهم في الطعام الذي يكفيه ويكفي يتيمه من المال المشترك بينهما؛ لأن فيه حيفا على اليتيم حينئذ، وإنما الواجب عليه أن يزيد لهم ما يكفيهم من خالص ماله. اهـ.

وقال في (تحفة المحتاج): وللولي خلط طعامه بطعام موليه حيث كانت المصلحة للمولى فيه، ويظهر ضبطها بأن تكون كلفته مع الاجتماع أقل منها مع الانفراد... وله الضيافة والإطعام منه حيث فضل للمولى قدر حقه. وكذا خلط أطعمة أيتام إن كانت المصلحة لكل منهم فيه. اهـ.  

ومن أهل العلم من وسع في هذا الأمر إذا كان الطعام في مناسبة جرى العرف بتوسعة النفقة فيها على اليتيم، كالعيد والعرس والختان، بشرط عدم الإسراف، قال القرافي في (الذخيرة): قال اللخمي: ينفق الوصي بحسب كثرة المال وقلته، ولا يضيق على من ماله كثير، بل نفقة مثله وكسوته، ويوسع عليه في الأعياد... وينفق عليه من ختانه وعرسه، ولا حرج على من دعي فأكل؛ لأن هذه الأمور تصرف الرشاد والحاجة داعية إليها عادة وشرعا. اهـ.
وكذا قال شراح مختصر خليل عند قوله: والنفقة على الطفل بالمعروف وفي ختنه وعرسه وعيده. اهـ.
قال الدردير في الشرح الكبير: (وفي ختنه وعرسه) ولا حرج على من دخل فأكل؛ لأنه مأذون فيه شرعا، بخلاف لو أسرف من مال اليتيم، فلا يجوز الأكل منه. اهـ.
وقال عليش المالكي في فتاويه: لا يجوز لشركاء الأيتام ولا لغيرهم الأكل من أموالهم ضيافة، ولا التصدق بشيء منها، ولا استعمال دوابهم، ولا يجوز للضيوف ولا للزائر الأكل منها ولو كان عادة آبائهم، إذا وقع شيء من ذلك يكون كبيرة فتجب التوبة منها وغرم مثل المأكول، أو المتصدق به، أو قيمته إلا ما أكل في توسعة نفقة عيد وختن وعرس بالمعروف، فهو جائز إذا كان لليتيم وصي دعاه إليه، قال الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما...} اهـ.

وأخيرا ننبه على أن القائم على شأن الأيتام له أن يأكل من ماله إذا كان فقيرا أقل الأمرين: أجرة مثله، أو قدر حاجته، لقوله تعالى: ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف {النساء:6}، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 10970، وأما الأم فإنها وإن لم تكن هي القائمة بشأن أيتامها، فمن حقها أن ينفق عليها من مالهم إذا كانت محتاجة، قال ابن عبد البر في (الكافي في فقه أهل المدينة): وينفق على أم اليتيم من ماله إذا كانت محتاجة. اهـ.
وقال القرافي في (الذخيرة): وينفق على أم اليتيم من ماله إذا كانت محتاجة؛ لقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا}. اهـ.
وجاء في (المحلى بالآثار) لابن حزم: فإذا كانت أم اليتيم محتاجة أنفق عليها من ماله، يدها مع يده، والموسرة لا شيء لها. اهـ. 
والله تعالى أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة