شرح حديث: مَنِ اسْتَيْقَظَ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، وحكم اقتداء القائم بالقاعد

0 173

السؤال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل وصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء ـ قال: وفي رواية: إذا قام أحدكم من الليل فليوقظ أهله، فإن لم تستيقظ فلينضح على وجهها الماء ـ قال: وفي أخرى: من استيقظ وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ـ فهل هذا فيه دليل على أنه من المشروع المداومة على قيام الليل مع الزوجة جماعة؟ وإذا كان الزوج يصلي إماما بالزوجة والزوج تأتيه ظروف صحية فلا يستطيع طول القيام، فهل إذا جلس وتابع القراءة تتابعه زوجته في الجلوس أم لا؟ وماذا إذا كان الزوج يأتيه هذا الظرف الصحي كلما صلى فيضطر إلى الجلوس ـ أقصد عندما يؤم زوجته ـ فهل تتابعه زوجته دائما في الجلوس؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالحديث المشار إليه فيه مشروعية قيام الليل للزوج والزوجة، وأما قوله في بعض الروايات: جميعا ـ فقد جاءت في رواية لأبي داود بالشك: فصليا، أو صلى ركعتين جميعا ـ قال في عون المعبود عن رواية الشك هذه: فالصحيح أن الشك إنما هو بين الإفراد والتثنية والبقية على حالها، فيقال حينئذ إن جميعا حال من معنى ضمير فصلى وهو كل واحد منهما. اهـ.

وحتى على الرواية التي ليس فيها شك، فهي ليست صريحة في الجماعة، إذ يحتمل أن المراد بها كلاهما صلى ركعتين، قال الشوكاني في نيل الأوطار: لا يخفى أن قول: فصليا ركعتين جميعا ـ محتمل، لأنه يصدق عليهما إذا صلى كل واحد منهما ركعتين منفردا أنهما صليا جميعا ركعتين، أي كل واحد منهما فعل الركعتين. اهـ.

وقد دلت السنة على جواز قيام الليل جماعة في غير رمضان أحيانا، وأما المداومة فلا نعلم لها مستندا شرعيا يمكن الاعتماد عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: ما لا تسن له الجماعة الراتبة: كقيام الليل والسنن الرواتب وصلاة الضحى وتحية المسجد ونحو ذلك ـ فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز، وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة، بل بدعة مكروهة. اهـ.

وانظر المزيد في الفتويين رقم: 173453، ورقم: 152253.

وأما هل تصلي خلفه قائمة أم جالسة إذا هو صلى جالسا؟ فجوابه أنه إذا شرع هو في الصلاة من أولها جالسا فإنها تأتم به وتصلي خلفه جالسة استحبابا أو وجوبا ـ على خلاف بين الفقهاء ـ لقول: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما.... وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا أجمعون. رواه البخاري ومسلم.

وأما إذا شرع في الصلاة قائما ثم جلس في أثنائها، فإنها تتم صلاتها قائمة، قال صاحب الزاد: وإن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس، أتموا خلفه قياما وجوبا. اهـ.

وذلك لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في قصة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس, وهو مريض، قالت: فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر, فكان يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. متفق عليه.
وهذا بناء على صحة اقتداء القائم بالقاعد وعلى أنه لا فرق بين إمام الحي وغيره من الأئمة، وإلا فإن العلماء اختلفوا في صحة اقتداء القائم بالقاعد، والأحاديث الصحيحة تدل على الصحة، وبعضهم خص تلك الأحاديث بإمام الحي كما هو مذهب الحنابلة، جاء في الموسوعة الفقهية: اختلفوا في صحة إمامة القاعد للقائم، فالمالكية والحنابلة لا يجوزونها، لأن فيه بناء القوي على الضعيف، واستثنى الحنابلة إمام الحي إذا كان مرضه مما يرجى زواله، فأجازوا إمامته، واستحبوا له إذا عجز عن القيام أن يستخلف، فإن صلى بهم قاعدا صح، والشافعية يقولون بالجواز، وهو قول أكثر الحنفية، لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى آخر صلاة صلاها بالناس قاعدا، والقوم خلفه قيام. اهـ.

وقد ضعف الشيخ ابن عثيمين تخصيص جواز الاقتداء بأن يكون الإمام إمام الحي، ورجح أنه لا دليل على التخصيص وأنه لا فرق بين إمام الحي وغيره، فقال في الشرح الممتع: وعلى هذا يتبين ضعف الشرط الأول الذي اشترطه المؤلف وهو قوله: إمام الحي ـ ونقول: إذا صلى الإمام قاعدا فنصلي قعودا، سواء كان إمام الحي أم غيره. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 218224.

والله أعلم.
 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة