السؤال
شكرا لكم عل عملكم الدؤوب وجزاكم الله كل خير: أتصدق بما يسر الله على بعض المحتاجين، لكنني أميل إلى التصدق بأغلب ما أنوي التصدق به على أسرتي، لأفرح الوالدة وأساعد الوالد على أمور البيت، وأفرح إخوتي الأصغر مني، كما أريد أن أتصدق بقدر من المال أجمعه منفردا في خطوة أولية لجمع مبلغ يحجان به، فهل تصدقي عليهم وجمع مبلغ للحج يحسبان بنفس درجة الصدقة على غيرهم؟.
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصدقة على الأقربين مرغب فيها بخصوصها، وهي من حيث الأصل أفضل من الصدقة على غيرهم، قال ابن العربي ـ رحمه الله تعالى ـ في أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم {البقرة:215} وصدقة التطوع في الأقربين أفضل منها في غيرهم. اهـ.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع وهو حنفي، بعد أن ذكر أن الوالدين والزوجة والأولاد الذين تجب نفقتهم لا يجوز دفع الزكاة إليهم: وأما صدقة التطوع: فيجوز دفعها إلى هؤلاء، والدفع إليهم أولى. اهـ.
وقال ابن عثيمين: والصدقة على القريب أفضل من الصدقة على البعيد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها صدقة وصلة، المهم أن تنفق الصدقة تبتغي بها وجه الله تعالى. اهـ.
وجاء في شرح زاد المستقنع للشنقيطي: والصدقة على القريب أعظم ثوابا وأجزل عطاء وأحسن مئابا عند الله من غير القريب، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين في الصحيح: أنه كان عندها جارية تملكها، فأعتقت الجارية لله، فدخل عليها عليه الصلاة والسلام، فقالت: يا رسول الله! هل شعرت أني أعتقت فلانة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لو أنك أعطيتها لأخوالك لكان أعظم لأجرك عند الله. اهـ.
وإذا كان هذا القريب أحد الوالدين، فلا شك أن فضل الصدقة يزيد أكثر لما يضاف إليها من معاني البر والإحسان إلى الوالد المأمور بهما شرعا، وما ذكرنا بشأن فضل الصدقة على القريب هو الغالب الأعم، وقد توجد حالات تكون فيها الصدقة على البعيد أولى وأفضل منها على القريب، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 305128.
وأما مساعدة الوالدين على القيام بالحج: فهي بلا شك أفضل من الصدقة المطلقة عليهما، لأن هذه تقتضي الحصول على مثل أجر حجهما دون أن ينقص ذلك أجرهما، فقد قال عليه الصلاة والسلام: من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا. متفق عليه.
ولا يقتصر الأمر على الغازي، بل يشمل كل من أعان على بر، جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: وقال الطبري: وفيه من الفقه أن كل من أعان مؤمنا على عمل بر فللمعين عليه أجر مثل العامل، وإذا أخبر الرسول أن من جهز غازيا فقد غزا، فكذلك من فطر صائما أو قواه على صومه، وكذلك من أعان حاجا أو معتمرا بما يتقوى به على حجه أو عمرته حتى يأتي ذلك على تمامه فله مثل أجره. اهـ.
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: ويؤخذ من مثال الغازي أن كل من أعان شخصا في طاعة الله فله مثل أجره، فإذا أعنت طالب علم في شراء الكتب له، أو تأمين السكن، أو النفقة، أو ما أشبه ذلك، فإن لكل أجرا مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئا، وهكذا أيضا لو أعنت مصليا على تسهيل مهمته في صلاته في مكانه وثيابه، أو في وضوئه، أو في أي شيء، فإنه يكتب لك في ذلك أجر، فالقاعدة العامة: أن من أعان شخصا في طاعة من طاعة الله كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئا. اهـ.
والله أعلم.