السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أموالي مختلطة منها من التهريب وأحيانا أدفع الرشوة ومنها من الحلال، هذه الأموال هل يجوز أن أتصدق بها، حتى المساكين عندما أريد أن أعطيهم أقول فى نفسي هذا المال حرام وماذا أستفيد لو تصدقت به، فماذا أفعل قدموا لي النصيحة؟
والسؤال الثاني: عندما يكون هناك شخص يقود سيارته بسرعة فائقة فى الطريق واصطدم بشيء ما وعمل حادث ومات حينها، فما الحكم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان كسبك مشوبا بالحرام، فالواجب عليك التوبة إلى الله عز وجل، والإقلاع عن الكسب الحرام، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه،وإرجاع الحقوق إلى أهلها.
وأما الصدقة من المال المختلط من الحلال والحرام، فلا بأس بها، وتنوي بالحلال نيل الأجر والثواب من الله، وبالحرام التخلص منه، والأفضل أن تتصدق بأطيب مالك وأحبه إليك، لأن الله يقول في كتابه الكريم: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران:92].
وقال تعالى:ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون [البقرة:267].
وأما الصدقة بعين المال الحرام، فغير مقبولة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب... متفق عليه.
وراجع الجواب : 15981.
وأما الشخص الذي أفرط في السرعة بسيارته بحيث تجاوز السرعة المعتادة واصطدم بشيء فمات فهو قاتل لنفسه خطأ، واختلف أهل العلم فيمن قتل نفسه خطأ هل على عاقلته ديته أم لا وقد فصل ذلك ابن قدامة في المغني فقال: وإن جنى الرجل على نفسه خطأ، أو على أطرافه، ففيه روايتان:
الرواية الأولى: قال القاضي: أظهرهما أن على عاقلته ديته لورثته إن قتل نفسه، أو أرش جرحه لنفسه إذا كان أكثر من الثلث، وهذا قول الأوزاعي، وإسحاق لما روى أن رجلا ساق حمارا فضربه بعصا كانت معه، فطارت منها شظية، فأصابت عينه ففقاتها فجعل عمر، ديته على عاقلته، وقال: هي يد من أيدي المسلمين، لم يصبها اعتداء على أحد ولم نعرف له مخالفا في عصره، ولأنها جناية خطأ، فكان عقلها على عاقلته، كما لو قتل غيره.
فعلى هذه الرواية، إن كان العاقلة الورثة، لم يجب شيء لأنه لا يجب للإنسان شيء على نفسه، وإن كان بعضهم وارثا، سقط عنه ما يقابل نصيبه، وعليه ما زاد على نصيبه، وله ما بقي إن كان نصيبه من الدية أكثر من الواجب عليه.
الرواية الثانية: جنايته هدر، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وهي أصح لأن عامر بن الأكوع بارز مرحبا يوم خيبر، فرجع سيفه على نفسه، فمات ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بدية ولا غيرها، ولو وجبت لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأنه جنى على نفسه، فلم يضمنه غيره كالعمد ولأن وجوب الدية على العاقلة إنما كان مواساة للجاني، وتخفيفا عنه، وليس على الجاني هاهنا شيء يحتاج إلى الإعانة والمواساة فيه، فلا وجه لإيجابه، ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية على غيره، فإنه لو لم تحمله العاقلة، لأجحف به وجوب الدية لكثرتها.
واختلفوا أيضا في الكفارة هل تجب كفارة في ماله أم لا فذهب الحنفية والمالكية إلى عدم ذلك وذهب الشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم إلى وجوبها والظاهر أنها لا تجب، قال ابن قدامة في المغني: من قتل نفسه خطأ وجبت الكفارة في ماله وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا تجب لأن ضمان نفسه لا يجب فلم تجب الكفارة كقتل نساء أهل الحرب وصبيانهم، ولنا عموم قوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة [النساء:92].
ولأنه آدمي مؤمن مقتول خطأ فوجبت الكفارة على قاتله كما لو قتله غيره والأول -قول أبي حنيفة - أقرب إلى الصواب إن شاء الله فإن عامر بن الأكوع قتل نفسه خطأ ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة، وقول الله تعالى:ومن قتل مؤمنا خطأ إنما أريد بها إذا قتل غيره بدليل قوله تعالى: ودية مسلمة إلى أهله [النساء:92]، وقاتل نفسه لا تجب فيه دية بدليل قتل عامر بن الأكوع. انتهى.
والله أعلم.