السؤال
هل يوجد عذاب قبر وعذاب في الآخرة للذين يتكلمون في أعراض الناس، ويغتابونهم، ويأخذون أموالهم بالباطل، ويتوبون فيما بينهم وبين الناس، ولا يستحلون الناس، ولا يرجعون لهم حقوقهم؟ وهل توبتهم فيما بينهم وبين الله كافية؟ أم تجب إعادة الحقوق؟ وهل لهم عذاب أم فقط يؤخذ من حسناتهم؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن من شروط قبول التوبة رد المظالم وإعطاء الحقوق لمستحقيها إن كان الذنب متعلقا بحق آدمي، فمن أخذ من غيره مالا كان لزاما عليه لتصح توبته أن يرده عليه، وإلا فتوبته غير صحيحة، ولا يشترط إعلامه بسبب أخذ المال وإنما الشرط رده عليه، كما بيناه في الفتوى رقم: 139763.
وأما الخوض في أعراض الناس: فإذا بلغ الشخص المخوض في عرضه لم يكن بد من استحلاله، وأما إذا كان ذلك غيبة لم تبلغه، فاختلف أهل العلم في كيفية التوبة من ذلك، فمنهم من أوجب استحلاله، ومنهم من رأى أنه يكفي الاستغفار له، وذكره بالخير حيث ذكره بالسوء. وانظر الفتوى رقم: 171183.
وإذا علمت هذا، فمن تاب من هذه الذنوب توبة صحيحة مستوفية لشروطها، فقد برئت ذمته، وليس هو معذبا لا في القبر ولا في الآخرة، ومن لم يتب منها توبة صحيحة مستوفية لشروطها فهو معرض للوعيد، مستحق للعذاب في القبر وفي الآخرة، وقد وردت النصوص بأن آكل أموال الناس بالباطل كآكل الربا يعذبون في قبورهم، ففي حديث المنام المشهور الذي رواه سمرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان، فقلت ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا.
والمغتاب متوعد كذلك بالعذاب في القبر، فعن أبي بكرة قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبرين فقال: من يأتيني بجريدة نخل؟ قال: فاستبقت أنا ورجل آخر، فجئنا بعسيب، فشقه باثنين، فجعل على هذا واحدة، وعلى هذا واحدة، ثم قال: أما إنه سيخفف عنهما ما كان فيهما من بلولتهما شيء، ثم قال: إنهما ليعذبان في الغيبة والبول. رواه أحمد.
وترجم البخاري في صحيحه بقوله: باب عذاب القبر من الغيبة والبول.
وإذا علمت ما مر، فهذا العذاب الذي هو متوعد به لكون توبته من هذا الذنب لم تصح شيء، والأخذ من حسناته وإعطاؤها لصاحب الحق في الآخرة شيء آخر، فهو متوعد ـ والعياذ بالله ـ بهذا كله، ومما يدل على أن حسناته يؤخذ منها ويعطى صاحب الحق هو ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
وقد ناقشنا مسألة رد الحقوق لمستحقيها، وهل هو شرط في صحة التوبة، أو هو واجب مستقل، وذلك في فتوانا رقم: 149083، فانظرها.
والله أعلم.