0 148

السؤال

ما حكم من لم يقدر على محو آثامه؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نسأل الله لنا ولكم غفران الذنوب والعفو والستر، ونفيدك أن الله تعالى شرع لنا أسبابا تمحى وتغفر بها الذنوب، ومن أهم ذلك ما أوجب الله على العبد من  التوبة، وقد وعد الله تعالى بقبول التوبة الصادقة ممن تاب واستغفر وسأل الله العفو أن يعفو عنه، فقد قال الله ‏تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {الشورى:25}.

وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر ‏الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}.

وقال تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ‏على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا ‏تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.

وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له: أذنب عبد ذنبا، فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك.

 قال النووي في شرح مسلم: لو تكرر الذنب مائة مرة، أو ألف مرة، أو أكثر، وتاب في كل مرة، قبلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته، وقال: قوله: اعمل ما شئت ـ معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. اهـ.

وقد ذكر أهل العلم أن العفو من أسماء الله تعالى، ومعناه: الذي يمحو السيئات ويتجاوز عنها، جاء في تحفة الأحوذي: العفو: فعول من العفو، وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو أبلغ من الغفور، لأن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو، وأصل العفو المحو والطمس، وهو من أبنية المبالغة، يقال: عفا يعفو عفوا، فهو عاف وعفو. اهـ.
وقد شرع الله لنا كذلك بعض الطاعات التي تمحى بها الخطايا، ومن ذلك الصلوات والصوم والحج وحضور مجالس العلم والذكر، كما قال تعالى: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين {هود:114}.  

 وقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا. رواه مسلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر. رواه مسلم.

وقال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه.

وقال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. متفق عليه.

 وأخرج الشيخان عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا، فيقول: فماذا يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: يتعوذون من النار، قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها فيقول: كيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم! قال: يقول: ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم.

وفي حديث أحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني من رواية أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات. والحديث صححه الألباني والأرناؤوط.

لكن الجمهور على أن هذا التكفير الذي وعد الله به أهل الطاعات خاص بالصغائر، أما الكبائر: فلا بد لها من توبة، كما أن الذنوب المتعلقة بحقوق العباد لا بد فيها من استحلال أصحابها، قال في دليل الفالحين: ثم هذا في الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى، أما الكبائر: فلا يكفرها على الصحيح إلا التوبة بشروطها..... وأما التبعات: فلا يكفرها إلا إرضاء أصحابها. انتهى.

وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري: وأتبع ـ أمر من باب الأفعال، وهو متعد إلى مفعولين: السيئة ـ الصادرة منك صغيرة، وكذا كبيرة على ما شهد به عموم الخبر وجرى عليه بعضهم، لكن خصه الجمهور بالصغائر. انتهى. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات