السؤال
أمي ـ أطال الله عمرها في طاعته ـ تكثر من الدعاء والمدح كلما رأتنا أو كلمناها، وأنا أكره المدح وبقوة، لأنه يثبطني، ولا أحب المدح والشكر، ولا أحب كثرة الدعاء في وجهي، أحب أن يكون الدعاء في ظهر الغيب، وصارحت أمي بذلك، وطلبت منها أن لا تمدحني ولا تدعي لي أمامي، فتفهمت الموقف، فهل هذا يعتبر من العقوق؟ وخاصة أنها أحيانا تكرر الموضوع وأذكرها لتضايقي، وهل أنا عاق إذا ارتفع صوتي أمام والدي في مواضيع مختلفة تخرج الشخص عن طوره لأسباب منها أن الوالد يقهر الواحد، فأرد عليه، ومنها أنه يثبط الشخص إذا عملت له شيئا جميلا؛ يقول ما شاء الله تتظاهر ببر الوالدين...؟ وما حكم رفع الصوت في المواضيع التي يجهلونها لقلة دراستهم، ولا يقتنعون فيها مهما شرحت لهم؟ وأنا بطبيعتي عصبي، وعائلتنا معروفة بالعصبية ورفع الصوت حتى في الأحاديث العادية، وهل يعتبر عقوقا؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك أمك ألا تمدحك في وجهك، وأن تدعو لك بظهر الغيب، إن كان بأدب ورفق، فليس من العقوق، ولا حرج عليك فيه.
أما رفع صوتك على أبيك أو أمك: فغير جائز، فالواجب عليك مخاطبة والديك بالأدب والتوقير، قال تعالى: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء:23ـ24}.
قال القرطبي رحمه الله: وقل لهما قولا كريما ـ أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال لبن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما ـ ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ومن هذه الآية الكريمة تعلم أنه لا يجوز رفع الصوت عليهما، بل يجب التأدب معهما وخفض الجناح لهما. اهـ
ولو فرض أن والديك أو أحدهما أساء إليك أو وقع في منكر، فلا يجوز لك أن تسيء إليه أو تغلظ له في الكلام، ولكن تنهاه عن المنكر برفق وأدب، ولا تكثر عليه؛ فإن أمر الوالدين بالمعروف ونهيهما عن المنكر ليس كغيرهما، قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله: قال أحمد في رواية يوسف بن موسى: يأمر أبويه بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. اهـ
فالواجب عليك التوبة إلى الله، ومجاهدة نفسك، والاستعانة بالله على ضبط النفس، وحسن الخلق عامة، ومع الوالدين خاصة، والحذر الحذر من الغضب، فإنه مفتاح الشر، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب. رواه البخاري.
قال ابن رجب: فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير. اهـ
واعلم أن الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه.
والله أعلم.