السؤال
ما حكم هجرة الولد من بلده للفرار بدينه منها؛ نظرا لانتشار الفسوق والظلم، مع تركه لوالده في هذه البلدة، وزيارته له كل عدة شهور، حيث يعيش الوالد وحده، مع موافقته وتشجيعه الابن على الهجرة؟
ما حكم هجرة الولد من بلده للفرار بدينه منها؛ نظرا لانتشار الفسوق والظلم، مع تركه لوالده في هذه البلدة، وزيارته له كل عدة شهور، حيث يعيش الوالد وحده، مع موافقته وتشجيعه الابن على الهجرة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن الهجرة لأجل الدين، تدور بين الاستحباب وبين الوجوب، وقد ذكرنا أقوال الفقهاء في الهجرة من دار المعاصي، وذلك في الفتوى رقم: 111225، كما ذكرنا أيضا الهجرة الواجبة والهجرة المستحبة في الفتوى رقم: 12829.
فإن كانت هجرة الولد المشار إليه من النوع المستحب، وسيترك والده يعيش وحيدا، فإنه لا ينبغي له أن يهاجر، وإن أذن له أبوه، فبر الوالدين أفضل من الهجرة المستحبة، بل هو أفضل القربات بعد الصلاة، وقدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، والجهاد، ففي الصحيحين، وغيرهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها. قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. اهـ. فانظر كيف قدم بر الوالدين على الجهاد، الذي هو ذروة سنام الإسلام.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة، والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما.
قال القاضي عياض في كتابه "إكمال المعلم بفوائد مسلم" في شرح هذا الحديث: فرجح بر والديه، وعظيم حقهما، وكثرة الأجر على برهما، وأن ذلك أفضل من الجهاد، وحسبك بهذا. اهـ.
والوالد إذا كان سيبقى وحيدا، فإنه سيحتاج في الغالب إلى الخدمة والرعاية، وإذا احتاج إلى الخدمة والرعاية، وجبت خدمته، قال السفاريني في كتابه غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: ومن حقوقهما: خدمتهما إذا احتاجا، أو أحدهما إلى خدمة ... اهـ.
وانتشار الفسوق الذي بسببه يريد ذلك الولد أن يهاجر، هذا الانتشار لا يكاد يخلو منه بلد من البلدان، فلا ينبغي له أن يترك أباه وحيدا، ويسافر عنه.
والله تعالى أعلم.