السؤال
هل يعتبر هذا صبرا؟
عند ما كان عمري 11 سنة، أصابني مرض تثدي الرجال.
تأثرت نفسيا، وقرأت عن أن المرض لا يزول إلا بعملية جراحية مكلفة بأمريكا، أو يزول المرض في عمر 21، وأنا عمري 15 سنة.
هل يعتبر هذا صبرا؟
عند ما كان عمري 11 سنة، أصابني مرض تثدي الرجال.
تأثرت نفسيا، وقرأت عن أن المرض لا يزول إلا بعملية جراحية مكلفة بأمريكا، أو يزول المرض في عمر 21، وأنا عمري 15 سنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل لم يذكر لنا شيئا عن حالته هل صبر أم لا؟ ولكنا نبشره أن المرض تكفر به السيئات، وتحصل به الأجور عند الجمهور. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه. وعن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مرض أو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنبه، حتى الشوكة يشاكها, أو النكبة ينكبها. رواه البخاري.
قال العراقي في طرح التثريب: ظاهر الحديث ترتب تكفير الذنب على مجرد المرض أو الوجع، سواء انضم إليه صبر أم لا, واعتبر أبو العباس القرطبي في حصول ذلك وجود الصبر، فقال: لكن هذا كله إذا صبر المصاب, واحتسب, وقال ما أمره الله به في قوله:{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}. فإذا كان كذلك، وصل إلى ما وعده الله, ورسوله من ذلك. انتهى.
وهو مطالب بالدليل على ذلك؛ فإن ذكر أحاديث فيها التقييد بالصبر، فجوابه أن تلك الأحاديث أكثرها ضعيف, والذي صح منها فهو مقيد بثواب مخصوص، فاعتبر فيها الصبر لحصول ذلك الثواب المخصوص, ولن تجد حديثا صحيحا رتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر في ذلك, وقد اعتبرت الأحاديث في ذلك، فتحرر لي ما ذكرته, وروى الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من مات له ولد ذكر أو أنثى، سلم أو لم يسلم، رضي أو لم يرض، صبر أو لم يصبر، لم يكن له ثواب إلا الجنة}, وإسناده ضعيف. ويناقش القرطبي في قوله: ما أمره الله به في قوله: { الذين إذا أصابتهم مصيبة } الآية, وليس في هذه الآية أمر, والله أعلم. ولم يذكر في رواية عروة عن عائشة إلا التكفير, وفي إحدى طريقي الأسود عن عائشة: رفعه الله بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة, وهو إما شك من الراوي, وإما تنويع من النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الناس، فالمذنب يحط عنه خطيئة, ومن لا ذنب له كالأنبياء, ومن عصمه الله تعالى ترفع له درجة، أو باعتبار المصائب فبعضها يترتب عليه حط الخطيئة, وبعضها يترتب عليه رفع الدرجة, وفي طريق الأسود عن عائشة الآخر الجمع بين رفع الدرجة, وحط الخطيئة, وفي رواية الأسود عند الطبراني كتابة عشر حسنات, وتكفير عشر سيئات, ورفع عشر درجات, والزيادة مقبولة إذا صح سندها, وذلك يقتضي حصول الأجور على المصائب. وبهذا قال الجمهور, وخالف في ذلك طائفة منهم أبو عبيدة بن الجراح وابن مسعود، فقالوا: إنما يترتب على المصائب التكفير دون الأجر, روى أحمد في مسنده عن عياض بن غطيف قال: { دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته, وامرأته قاعدة عند رأسه، فقلت: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: والله لقد بات بأجر، فقال أبو عبيدة: ما بت بأجر, وكان مقبلا بوجهه على الحائط فأقبل على القوم, وقال: ألا تسألوني عما قلت؟ قالوا: ما أعجبنا ما قلت نسألك عنه؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ابتلاه الله ببلاء في جسده، فهو له حطة}, وروى ابن أبي الدنيا عن أبي معمر الأزدي أن ابن مسعود قال ذات يوم: ألا إن السقم لا يكتب له أجر، فساءنا ذلك, وكبر علينا فقال: ولكن تكفر به الخطايا، فسرنا ذلك وأعجبنا, وكان هؤلاء لم يبلغهم الأحاديث المصرحة برفع الدرجات, وكتب الحسنات, وقد تقدم ذكر بعضها. اهـ.
والله أعلم.