السؤال
إذا كان أحد أقاربي في ظروف مادية صعبة، وتراكمت عليه الديون بمبالغ كبيرة، وأنا -لله الحمد- أخرج زكاة المال، وكنت أخرج معظمها لأهالي المظلومين، والمعتقلين، ومن فقدوا عائلهم؛ نظرا للظروف التي تمر بها بلدي، فمن الأولى: قريبي هذا -مع العلم أن له أهلا آخرين يستطيعون مساعدته، وهو وبعض عائلتي مؤيد لهذا الظالم- أم أظل كما كنت، أعطي الزكاة لمن هم أشد حاجة من وجهة نظري، وهم أهالي المظلومين، أم أوزعه بينهم؟ وجزاكم الله خيرا، ونفعنا بعلمكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فما دام أن قريبك له أهل قادرون على مد يد العون له، بينما أولئك الذين تدفع لهم أنت لا معيل لهم، وهم أشد حاجة، فلا شك أن الأولى أن تستمر في دفع زكاتك لهم، وتقدمهم على قريبك المشار إليه، والصدقة على القريب، وإن كانت أفضل من الصدقة على الغريب في الأصل، إلا أن هذا التفضيل ليس على إطلاقه عند أهل العلم في كل الأحوال، بل يكون تقديم الأجنبي على القريب أولى في بعض الحالات، كأن يكون القريب بعيد الدار، والأجنبي جارا، كما نص عليه الشافعية، ففي أسنى المطالب: (وقدم الجار) الأجنبي (على قريب بعيد) عن دار المتصدق .. اهـ.
ومن الحالات التي يقدم فيها الأجنبي على القريب، إذا كان الأجنبي أشد حاجة من القريب، قال ابن قدامة في المغني: ويستحب أن يبدأ بالأقرب فالأقرب، إلا أن يكون منهم من هو أشد حاجة، فيقدمه، ولو كان غير القرابة أحوج، أعطاه.
قال أحمد: إن كانت القرابة محتاجة، أعطاها، وإن كان غيرهم أحوج، أعطاهم ... قيل لأحمد: فإذا استوى فقراء قراباتي والمساكين؟ قال: فهم كذلك أولى، فأما إن كان غيرهم أحوج، فإنما يريد يغنيهم ويدع غيرهم، فلا. اهـ.
وجاء في حاشية قليوبي -من كتب الشافعية- عند ذكر الصدقة على القريب، ثم الجار: (وجار) أي: بعد القريب، ويقدم منه الأقرب فالأقرب، وأهل الصلاح منهم أفضل، وكذا من غيرهم، والأحوج في جميع المذكورين أفضل من غيره...اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- عن تقديم الأشد حاجة من مصارف الزكاة عموما:
إذا قيل: أيها أولى أن يصرف فيه الزكاة؟
قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا بوصف، فمن كان أشد إلحاحا وحاجة، فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين؛ ولهذا بدأ الله تعالى بهم، فقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين). اهـ.
وإن جمعت بين قريبك وبين أولئك المعوزين، فقسمت صدقتك بينهم، فهذا حسن، قال ابن القاسم النجدي الحنبلي في حاشيته على الروض: ويبدأ بالأحوج، فالأحوج، وإن كان الأجنبي أحوج، فلا يعطي القريب، ويمنع البعيد، بل يعطي الجميع ... اهـ.
والله تعالى أعلم.