السؤال
هل يوم القيامة مثل الحج؟ وهل يوم القيامة عذاب للمؤمن؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شيء في مواقف الدنيا يشبه يوم القيامة، فإن الناس أولهم وآخرهم يجمعون على أرض بيضاء، كقرصة النقي، ليس فيها معلم لأحد، بعد أن يخرجوا من قبورهم كأنهم جراد منتشر، مهطعين إلى الداعي، قد غشيهم الهول، وعمهم الفزع، فيذهل يومئذ المرء عن أحب الناس إليه، ويفر من أعز الناس عليه، وتدنو الشمس من رؤوس الخلائق، حتى تكون قدر ميل، ويعرق الناس على قدر أعمالهم، وما في الحج من زحام الناس وتشابه هيئتهم، قد يكون مذكرا بيوم القيامة والحشر في ذلك الصعيد الواحد، لكن هيهات أن يكون هذا كذاك -نسأل الله النجاة من هول ذلك اليوم-، ويوم القيامة عسير على المشركين خاصة، كما قال تعالى: فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير {المدثر: 9-10}، وقال تعالى: يقول الكافرون هذا يوم عسر {القمر:8}.
قال الشنقيطي -رحمه الله-: وقوله تعالى: فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [المعارج:9-10]، يدل بمفهوم مخالفته على أنه يسير على المؤمنين غير عسير، كما دل عليه قوله تعالى: مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر. وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، أنبأنا عمرو بن الحارث: أن سعيدا الصواف حدثه أنه بلغه: أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين؛ حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وأنهم يتقلبون في رياض الجنة، حتى يفرغ من الناس، وذلك قوله: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [الفرقان:24]، ونقله عنه ابن كثير في تفسيره. اهـ.
وهذا لا يمنع أن المؤمنين يتعرضون لشيء من هوله وفزعه، كما دلت على ذلك آيات كثيرة، لكنه بالنسبة لهم أخف وأهون منه على الكافرين، وقد زاد هذا المعنى الشيخ عطية سالم -رحمه الله- في تتمته للأضواء إيضاحا، فقال ما لفظه: الناقور: هو الصور، وأصل الناقور الصوت، وقوله: يوم عسير على الكافرين غير يسير. قيل: عسير وغير يسير على الكافرين. وقال الزمخشري: إن غير يسير كان يكفي عنها يوم عسير، إلا أنه ليبين لهم أن عسره لا يرجى تيسيره، كعسر الدنيا، وأن فيه زيادة وعيد للكافرين. ونوع بشارة للمؤمنين لسهولته عليهم، ولعل المعنيين مستقلان، وأن قوله تعالى: يوم عسير، هذا كلام مستقل وصف لهذا اليوم، وبيان للجميع شدة هوله، كما جاء في وصفه في قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [الحج:1-2]، ومثل قوله تعالى: يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه [عبس:34-35]، ونحو ذلك. ثم بين تعالى أن اليوم العسير أنه على الكافرين غير يسير، كما قال تعالى عنهم: فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به [المزمل:17-18]، بينما يكون على المؤمنين يسيرا، مع أنه عسير في ذاته لشدة هوله، إلا أن الله ييسره على المؤمنين، كما بين تعالى هذه الصورة بجانبها في قوله تعالى من سورة النمل: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب إلى قوله: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون [النمل:87-90]، فالفزع من صعقة يوم ينفخ في الصور عام لجميع من في السماوات ومن في الأرض، ولكن استثنى الله من شاء، ثم بين تعالى هؤلاء المستثنين ومن يبقى في الفزع، فبين الآمنين، وهم من جاء بالحسنة، والآخرون من جاء بالسيئة. انتهى.
فعرف به أن يوم القيامة ليس عذابا على المؤمنين، وإن نالهم من هوله وفزعه ما قدر الله تعالى أن ينالهم، وراجع الفتوى رقم: 288832.
والله أعلم.