السؤال
أحد الأشخاص أساء إلي مرة، وسامحته، وعفوت عنه، وأحسنت إليه، وأساء إلي الآن أيضا، وأفكر في مسامحته، والعفو عنه فقط، مع عدم الإحسان إليه؛ حتى لا يشعر بأنه ضعف مني، ويسترسل في الإساءات بعد ذلك، فماذا أفعل: هل أسامحه وأعفو عنه وأحسن إليه، أم أسامحه وأعفو ولا أحسن إليه؛ حتى لا يشعر أن ذلك ضعف مني؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك ما رزقته من حسن خلق، فدفع الإساءة بالإحسان من معالي الشيم، وهو مقام شريف، لا يناله إلا صاحب حظ عظيم، كما قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {فصلت:35-36}.
ومع مشروعية الإحسان إلى المسيء، إلا أن الإحسان إذا كان يزيد المسيء إساءة وطغيانا؛ لخبث طبعه، وخسة معدنه، فلا ملامة في قطع الإحسان عنه؛ اتقاء لشره، وكفا لعاديته، وقد نص جمع من العلماء على تفضيل الانتصار على العفو إن ترتب على العفو مفسدة، جاء في كتاب: بريقة محمودية: قد يكون) العدل (أفضل من العفو بعارض) موجب لذلك (مثل كون العفو سببا لتكثير ظلمه) لتوهمه أن عدم الانتقام منه للعجز (و) كون (الانتصار) سببا (لتقليله، أو هدمه) إذا كان الحق قصاصا مثلا (أو نحو ذلك) من العوارض، مثل كونه عبرة للغير .اهـ. باختصار.
وقال ابن عثيمين: {والعافين عن الناس} يعني: الذين إذا أساء الناس إليهم عفوا عنهم؛ فإن من عفا وأصلح، فأجره على الله. وقد أطلق الله العفو هنا، ولكنه بين قوله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} أن العفو لا يكون خيرا إلا إذا كان فيه إصلاح، فإذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله، فالأفضل ألا تعفو عنه، وأن تأخذ بحقك؛ لأنك إذا عفوت ازداد شره. أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ قليل العدوان، لكن أمر حصل على سبيل الندرة، فهنا الأفضل أن تعفو. اهـ. من شرح رياض الصالحين.
وقد قال ابن عبد البر: والذي عندي أن من خشي من مجالسته، ومكالمته الضرر في الدين، أو في الدنيا، والزيادة في العداوة والبغضاء؛ فهجرانه والبعد عنه خير من قربه؛ لأنه يحفظ عليك زلاتك، ويماريك في صوابك، ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته. ورب صرم جميل، خير من مخالطة مؤذية. اهـ. من الاستذكار.
والله أعلم.