السؤال
أنا شاب سوري في العشرين، أعيش ببالغ الأسف في أوروبا (كلاجئ) ولدي بعض الأقران الذين أجالسهم مرة في الشهر تقريبا.
المهم أن بعضهم يستمعون إلى الموسيقى والأغاني، ويفعلون بعض المنكرات، مثل الاحتفال بأيام ميلادهم، والاختلاط المذموم أو الانفتاح كما يسمونه. وأنا دائما أنكر، بأساليب متنوعة.
ولكن أحيانا تقف ذنوبي أمامي كالجبال، وتحول بيني وبين الإنكار عليهم، وأحيانا أشعر أنني أضحك على نفسي، فالحياة هنا لا يمكن أن تمر بدون التعرض للمنكرات، سواء بالمدرسة أو العمل، رغم الحرص ومحاولة التجنب دائما. وأنا مجرد لاجئ لا يسعني الذهاب لدولة أخرى، ولا العودة لبلدي.
أحد أصدقائي قال لي إن الفتن كثيرة جدا ومتفشية، فدعهم يفعلون تلك المنكرات، وهذا خير من أن يلجؤوا لأشياء أشنع (كالزنا والخمر والمخدرات وغيرها)
فما مدى سلامة هذا التفكير؟ وهل لي أن أسكت عن الإنكار؟
كما أنني قررت عدم حضور أي احتفال لذكرى ميلاد ولو كان ذلك يعني انتهاء العلاقة بالكلية، فهل ما قررته صواب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في حكم حضور المجالس التي فيها منكرات كالفتوى: 341662، وغيرها.
والذي يمكن أن نقوله لك أخي السائل هو: أنه لا يسعك أن تسكت عن المنكر الذي تراه من أصدقائك، بل الواجب عليك أن تستمر في الإنكار عليهم كلما رأيتهم على منكر، قياما بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم في صحيحه.
ولا يمنعك من الإنكار ما تعلمه من نفسك من الذنوب والمعاصي، إذ ليس من شرط المنكر أن يكون خاليا منها، ولو شرط ذلك لما أنكر أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا عصمة لأحد بعده. وقد أحسن من قال:
إذا لم يعظ الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد
وقد قال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء. ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه.
وانظر الفتوى: 312163.
والقول بأن تترك الإنكار على أولئك حتى لا يقعوا في منكر أكبر، هذا غير صحيح في الحالة التي تسأل عنها، بل استمرارهم على الاختلاط المذموم لا سيما في تلك البلاد، ربما أوقعهم في منكر أكبر كالزنا وشرب الخمر.
نعم ربما يتحقق في بعض الصور ترك الإنكار على العاصي، إذا علم أو غلب على الظن أنه لو أنكر عليه لذهب وفعل منكرا أكبر. كما ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم. اهــ.
والذي نوصيك به أخيرا هو تقوى الله تعالى، والحرص على البعد عن المعاصي وأهلها ومجالسها ما استطعت؛ فإن السلامة في الدين لا يعدلها شيء، ومن اتقى الله تعالى جعل له مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وجعل له من أمره يسرا.
والله أعلم.