السؤال
شكرا لكم على الموقع المميز، الذي استفدت منه الكثير.
والداي بينهما الكثير من المشاكل منذ سنين، وهما منفصلان تقريبا، لكنهما يعيشان في نفس المنزل بطريقة شبه منفصلة، ووالدي توقف عن العمل منذ فترة طويلة، وأنا لم أذهب إلى الجامعة، لكنني اضطررت للعمل؛ لكي أعيل أمي وإخوتي، وأدفع الإيجار والفواتير.
سؤالي كالآتي: والدي دائما يطلب مني الكثير من المهام التي تخصه؛ كتحضير الطعام له، وكي ملابسه، فأقوم بتنفيذ أغلبها، لكنني أحيانا أكون متعبة جدا بعد يوم عمل طويل، فأخبره أني متعبة، ولا أستطيع، فيتهمني بالتقصير والعقوق، وأنه كبرني، ورباني، وأننا ناكرو جميل، فهل أنا عاقة؟ أليس هو أيضا مقصر في حقي، ولم يقم بتوفير البيت، والرعاية لي ولأمي وإخوتي؟ لماذا أنا مطالبة ببره، وهو ليس مطالبا بحقوقي؟ فأنا لم أطلب منه أن يتزوج، ويحضرني إلى الدنيا، والقيام بهذا الجميل لي لكي أرده.
أنا أحاول أن أحسن إليه، لكنني أحيانا أرد على كلامه عندما يؤنبني، ويؤنب إخوتي لأسباب غير منطقية، فهو شكاك، متذمر، أسلوبه غير جميل، ولديه الكثير من التصرفات الخاطئة تجاه نفسه، وتجاه الناس، فهل أنا مخطئة؟
تعبت من التفكير، وأصبت بالاكتئاب بسبب المسؤولية التي أتحملها، وهو يزيدني رهقا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وأن بينا ما ذكره العلماء في ضابط وجوب طاعة الوالدين، وهو أنه تجب على الولد طاعتهما فيما فيه مصلحة لهما، ولا مضرة على الولد، فيمكنك مطالعة الفتوى: 76303.
فالواجب عليك طاعة والدك، وتحقيق ما يطلب منك، ولو شق عليك، ما لم تخشي ضررا، فعند ذلك اعتذري له بأدب، ولا تكونين عاقة بالامتناع في حال خشية الضرر.
والوالد ليس كغيره، فلا يعامل بالمثل؛ بحيث يقصر الولد في حقه إن كان منه تقصير مع ولده، فمن حق الأب أن يبره ولده، ويحسن إليه، وإن أساء وظلم، كما بينا في الفتوى: 299887.
ولا يغيب عن الأذهان أن بر الوالد، والإحسان إليه؛ من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، ففي سنن الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
وفي الحديث الآخر عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه الترمذي، وابن ماجه.
قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قال القاضي: أي: خير الأبواب وأعلاها. والمعنى: أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة، ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية، مطاوعة الوالد، ومراعاة جانبه. اهـ.
وينبغي أن ينصح أبوك بالرفق، والحسنى فيما قد يصدر عنه من تصرفات خاطئة، وأن يسعى في الإصلاح بينه وبين أمك ما أمكن.
ويمكن الاستعانة في ذلك كله ببعض المقربين، والأصدقاء ممن يرجى قبول قوله، والانتفاع بنصحه.
والله أعلم.