بر الوالدين لا يسقط وإن أساءا

0 24

السؤال

أمي وأبي يؤذياني كثيرا، وأهم شيء عندهما مصلحتهما، حتى لو كانت على حساب نفسيتي، أصبحت أتمنى الموت بسب هذا الوضع. لا أريد أن أخسرهما، لكني تعبت. لذلك أتعامل معهما ابتغاء وجه الله، لكني أكره وجودهما.
أبي يحب نفسه جدا، وقد كان قاسيا علي منذ صغري، يضربني ويهينني أمام القريب والغريب. رغم أنه شيخ ومحفظ للقرآن الكريم.
أما أمي فتربط رضاها بان أسمع كلامها حتى لو كان حراما، وتدعو علي إذا لم أمتثل أمرها في شيء حرام، مثل أن أكلم خطيبي السابق وأجلس معه إذا زارنا.
أحيانا أرد عليهما بقسوة، لكن هذا نقطة في بحر ما يفعلانه بي. نفسيتي أصبحت مدمرة، وأخاف أن أخسر ديني، ولا أعرف ماذا أفعل؟
فرغم أني أحبهما، لكني أتذكر ما يفعلانه معي في كل موقف.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن كان والداك يؤذيانك، ويسيئان إليك بغير حق، وكانت أمك تريد منك أن تطيعيها ولو في معصية الله؛ فكل ذلك ظلم محرم، ولا يجوز لك أن تطيعي والديك، أو غيرهما في معصية الله تعالى.
ومع ذلك فحقهما عليك لا يسقط بظلمهما أو إساءتهما إليك، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك. قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}.

وعقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرا عن ابن عباس ـرضي الله عنهماـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يصبح إليهما محتسبا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.
فحق الوالدين عظيم، وفضلهما على الولد كبير، فمهما عمل من البر فهو قليل في حقهما، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجزي ولد والدا، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه، فيعتقه.
فعليك ببر والديك والإحسان إليهما، والصبر على ذلك، واحتساب الأجر عند الله تعالى، واحرصي على مخاطبتهما بالأدب والرفق، والتواضع والتوقير؛ قال تعالى: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا الإسراء[23،24].
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: (وقل لهما قولا كريما) أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه، ويا أماه من غير أن يسميهما، ويكنيهما.

 قال عطاء: وقال بن البداح التجيبي: قلت: لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب، للسيد الفظ الغليظ. انتهى.
ومما يعينك على ذلك أن تتذكري أن بر الوالدين من أعظم أسباب رضوان الله ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي. قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قال القاضي: أي خير الأبواب وأعلاها. والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة، ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية، مطاوعة الوالد ومراعاة جانبه. انتهى.
واعلمي أن مقابلة السيئة بالحسنة، مما يجلب المودة، ويقي شر نزغات الشيطان؛ قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. {فصلت:34}.

فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء فكيف بالوالدين اللذين هما أرحم الناس بولدهما؟
 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة