السؤال
أنا متزوجة من شخص مطلق، وعنده أولاد من زوجته الأولى، وهم يعيشون معي الآن، وليس عندي أولاد، وأنا أعمل وأمتلك مالا، وقد ساعدت زوجي مساعدة مادية في كثير من المواقف؛ نظرا لضعف حالته، كما أني أساهم في الإنفاق على البيت، وعلى وأولاده أحيانا بقدر أكبر منه، وهذا الأمر يؤرقني أحيانا؛ لأني لا أستحضر فيه النية؛ لأن ظروف الحياة هي التي تدفعني لهذه المشاركة، ولا أعلم هل أؤجر على إنفاقي لهذا المال؟ ولا أريد أن أندم على إنفاقي لهذا المال، أو على المال الذي أنفقته منذ زواجي، هذا بالإضافة إلى أني أعاني من وجود هؤلاء الأطفال في حياتي التي اعتدت فيها على الهدوء، والابتعاد عن المشاكل، وعدم تحمل المسؤولية، وأنا أحيا في معاناة بسبب هذه الظروف التي جدت في حياتي، والتي تخالف طبيعتي، وأحيانا أفكر في الانفصال، ولكني أخاف من توابع هذا الأمر، فماذا أفعل؟ وهل لي أجر فيما أفعله، وإن لم أستحضر النية؟ وهل استحضاري للنية بعد إنفاقي للمال، ولو بعد فترة طويلة، تجعلني أؤجر عليه؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ننصحك بالطلاق؛ إلا إذا وجدت أن مفاسده أقل من مفاسد بقائك مع زوجك، فالطلاق مبغوض في الأصل، ولا ينبغي أن يصار إليه إلا عند تعذر جميع وسائل الإصلاح.
وإذا أمكن للزوجين الاجتماع، والمعاشرة بالمعروف -ولو مع التغاضي عن بعض الهفوات، والتنازل عن بعض الحقوق-، كان ذلك أولى من الفراق، وانظري الفتوى: 72094.
وإنفاقك على زوجك وأولاده؛ عمل صالح، نسأل الله أن يتقبله، ويجعله خالصا لوجهه، ويثيبك عليه أعظم الثواب.
واعلمي أن النية تكون قبل العمل، أو مقارنة له، وليس بعد الفراغ من العمل، وراجعي الفتوى: 76510.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المسلم يؤجر على أعمال الخير من غير نية؛ اكتفاء بعموم قصده للخير، وطلبه لطاعة الله في الجملة، قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: وقد قال أبو سليمان الداراني: من عمل عمل خير من غير نية؛ كفاه نية اختياره للإسلام على غيره من الأديان. فظاهر هذا أنه يثاب عليه من غير نية بالكلية؛ لأنه بدخوله في الإسلام مختار لأعمال الخير في الجملة، فيثاب على كل عمل يعمله منها بتلك النية. والله أعلم. انتهى من جامع العلوم والحكم.
وجاء في فتح الباري لابن حجر -رحمه الله-: وقال ابن أبي جمرة: يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البر؛ سواء جرت به العادة أم لا. قال: والمراد بالصدقة الثواب، فإن قارنته النية، أجر صاحبه جزما، وإلا ففيه احتمال. انتهى.
ونوصيك فيما يستقبل بالحرص على استحضار النية عند الإنفاق، أو غيره من الأعمال الصالحة، فهذا أصلح للقلب، وأعظم للأجر، قال تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما {النساء:114}، قال السعدي: فهذه الأشياء حيثما فعلت، فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء. ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص؛ ولهذا قال: ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما. فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى، ويخلص العمل لله في كل وقت، وفي كل جزء من أجزاء الخير؛ ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص، فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا؛ لأن النية حصلت، واقترن بها ما يمكن من العمل. اهـ من تفسير السعدي.
والله أعلم.