السؤال
عندما كنت صغيرا – دون العشر سنوات- عملت عمل قوم لوط -أكرمكم الله-، وعندما أصبح عمري 17 عاما، داعبت شخصا، دون القيام بعملية الإيلاج.
والله يشهد علي أني أحكي لكم الآن وأنا مشمئز من نفسي، وغاضب؛ بسبب درجة الجهل التي كنت فيها، وأريد أن أقتل نفسي؛ وقد تبت، ولم أفعل ذلك الفعل القذر منذ خمس سنوات، ولا أنوي العودة إليه، وأنا أكرهه، فهل يغفر الله لي ما مضى، ما دام أنني قد تبت، أم سيعذبني يوم القيامة، ويدخلني جهنم مع الداخلين؟
أنا أعلم في صميم قلبي أني سوف أذهب لجهنم بسبب ذلك العمل، وسأخلد فيها، وأنا أخاف من هذا، ولكني أعلم أن هذا ما سيحدث؛ لأنني قرأت أحاديث عن لعن من عمل هذا العمل، وأنه مطرود من رحمة الله، وأنه لا تقبل له شهادة، ولا يغفر له، ولا تقبل منه توبة؛ لذلك أريد قتل نفسي دائما، وأنا أتعاطى مضادات الاكتئاب الآن، فما العمل؟ وأريدكم أن تقولوا لي الحقيقة كما هي، وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فننبهك ابتداء إلى أن من ارتكب فاحشة وهو دون سن البلوغ؛ فإنه لا إثم عليه، ولا يقام عليه الحد الشرعي؛ لحديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق. رواه أحمد، وأهل السنن الأربعة، إلا الترمذي، وصححه الحاكم.
فإذا كنت قد وقعت في ذلك الذنب قبل بلوغك؛ فإنك لم تأثم.
واحمد الله أن قذف في قلبك التوبة منه، والندم عليه.
ولو فرض أنك كنت بالغا -كما يظهر في الحالة الثانية- فما ذكرته من أن مرتكب تلك الفاحشة لا يقبل الله منه توبة، ولا يغفر له؛ هذا غير صحيح، وتقول على الله بلا علم، ولا يوجد ذنب لا يقبل الله فيه توبة من العبد، إذا تاب إليه؛ فالكفر الذي هو أعظم الذنوب يغفره الله تعالى لمن تاب منه، كما قال -عز وجل-: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {الأنفال:38}.
وواضح من سؤالك أن الشيطان قد أوصلك إلى القنوط من رحمة الله، وهذا في حد ذاته ذنب كبير، يدل على جهل بعظم عفو الله ومغفرته ورحمته، وقد نهاك الله تعالى في كتابه عن القنوط من رحمته، كما قال -عز وجل-: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. {الزمر:53}، وهذه الآية نزلت في أناس أكثروا من القتل والزنى، وتابوا، ففي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون" [الفرقان:68]، ونزلت: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" [الزمر:53].
فإياك -أيها السائل- والقنوط، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم القنوط كبيرة من الكبائر؛ ففي الحديث: الكبائر: الشرك بالله، والإياس من روح الله, والقنوط من رحمة الله. رواه البزار، وحسن إسناده الألباني.
وروى الطبراني، وغيره، عن ابن مسعود، أنه قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله.
ثم ما تفكر به من الانتحار، إنما هو استدراج من الشيطان؛ ليوقعك في ذنب آخر، وهل تظن أنك لو انتحرت سترتاح؟ بل ربما دخلت النار -والعياذ بالله-، وتمنيت أنك ترجع إلى الدنيا وتتوب، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة. اهـ.
وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة: من قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن شرب سما، فقتل نفسه؛ فهو يتحساه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردى من جبل، فقتل نفسه؛ فهو يتردى في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا. اهـ.
فاتق الله -أيها السائل-، وأحسن الظن بالله أنه سيرحمك في الدنيا والآخرة، ولا تتبع خطوات الشيطان الذي أوقعك في عدة ذنوب من القنوط، واليأس، والتقول على الله تعالى؛ فإن هذه ذنوب تستوجب التوبة إلى الله عز وجل.
والله أعلم.