السؤال
أنا متزوجة منذ 16 عاما، وشخصيتي ضعيفة، وعندي خجل وجبن، وأم زوجي كثيرة النقد اللاذع، وشخصيتي لا تعجبها، ودائما تقلل من قيمتي، حتى إنها عندما تمدح غيري، تقحم اسمي وتقارنني؛ لتقلل مني.
وأغلب ما يصلني من كلامها عني في غيابي ذم - تصلني الكلمات مصادفة من أطفال ومن غيرهم-، وهي تذمني عند زوجي، وتمدح الأخريات عنده، حتى هدوئي تذمه عنده، وتقول له: كيف تتحمل قلة كلامها؟ حتى إن زوجي مفتون بزوجة أخيه، ومعجب بها، ومن الأسباب أنها تمدحها دائما عنده.
كثيرا ما تسيء الظن بي، وتفسر أفعالي على منحى سيئ، ومنذ أن تزوجت وهي تكثر الدعاء لزوجي، وتدعو له عندما أخدمها أنا، ولا تذكرني بحرف، وتفرح جدا إن أهملني زوجي، بل وتكيد لي؛ كي يهملني زوجي، ولا يهتم بي.
وعندما ولدت مكثت أياما عندها، وكانت تسكن بعيدا، واليوم الذي لا يأتي فيه زوجي للمبيت تفرح جدا، رغم أنها تحب مجيئه لها، وبعد أن ذهبت إلى بيت أبي، تقول له: لا تذهب لتأخذها إلا في يوم إجازتك آخر الأسبوع.
وقد اكتشفت أنا بعد ذلك أن زوجي يأتي بفتاة إلى منزلنا، ويقضي معها وقتا في هذه الأيام، وهي لا تعلم إلى الآن بما كان يحدث.
بناتها يفسرن موقفها مني بأنني زوجة ابنها الصغير الذي تتعلق به، ويقلن: إن قلبها طيب، ولكن لسانها يؤذيني.
كلما قررت أن أقترب منها، تجرحني بكلماتها؛ فأبتعد؛ لأن ذلك يستنزف من قوتي النفسية الكثير؛ كي لا يؤثر في كلامها سلبا؛ لأنني في الماضي كنت أستسلم لكلامها؛ حتى تحطمت، وتحطمت ثقتي بنفسي، وكرهت حياتي.
منذ سنتين وأنا أحاول بناء نفسي، واهتممت بدراسة العلوم القرآنية، فشعرت بتبدل في حالي للأفضل -والحمد لله-.
والذي يضايقني أنها جارتي، وكل ما أقدمه لها هو تحضير الطعام لها، وبعض المساعدات المنزلية البسيطة، حسب استطاعتي، لكني لا أحب المكوث عندها، وأتجنب الحديث معها قدر الإمكان.
أعلم أن لدي عيوبا؛ فأنا غير اجتماعية، ولست نشيطة في خدمة غيري، وأنا لا أحبها، وأكره هذا الشعور، وأكره تجنبي لها، ولكني لا أستطيع الاقتراب، ولكني لا أؤذيها، ولا أغتابها -والحمد لله-، فما حكم وضعي هذا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنوصيك أولا بكثرة الدعاء، وسؤال الله أن يصلح بينك وبين أم زوجك؛ فربنا سبحانه سميع مجيب، وهو القائل: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة:186}.
ثانيا: عليك بالإكثار من ذكر الله، والاستغفار، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فذلك من أعظم أسباب تفريج الهموم، قال تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:28}، وفي سنن الترمذي قال أبي بن كعب للنبي صلى الله عليه وسلم: أجعل لك صلاتي كلها، فقال له عليه الصلاة والسلام: إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك.
ثالثا: في الصبر تسلية للنفس، وحمل لها على تحمل البلاء، هذا بالإضافة إلى ما فيه من فوائد كثيرة، كتكفير السيئات، ورفعة الدرجات؛ فالزمي الصبر. وللمزيد فيما يتعلق بفضائله، انظري الفتوى: 18103.
رابعا: لا إثم عليك فيما يقع في قلبك من كره أم زوجك بسبب تصرفاتها؛ لأن الكره أمر قلبي، لا اختيار لك فيه؛ فلا تؤاخذين به، وادفعيه ما استطعت، قال تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}، لكن حذار أن يحملك ذلك على ظلمها.
خامسا: أنت محسنة بمحاولة إحسانك لأم زوجك ومساعدتها، وهو مسعى مشكور، ولعل الله يجعله سببا في إصلاح ما بينك وبينها، قال الله سبحانه: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}، قال ابن كثير في تفسيره: أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنو عليك؛ حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.
سادسا: على زوجك أن يحسن عشرتك، ويؤدي إليك حقوقك، كما أمره الله سبحانه في قوله: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء:19}، قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها -من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك-، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ.
وليس على زوجك أن يطيع أمه، فيسيء عشرتك، أو يهضمك شيئا من حقك؛ فالطاعة إنما تكون في المعروف، وانظري الفتوى: 76303.
سابعا: لك الحق في اجتناب أم زوجك، وعدم الحديث إليها اتقاء لأذاها؛ فإن هذا جائز، ولو كانت من أرحامك، وأولى إن كانت أجنبية عنك، وراجعي الفتوى: 348340.
ثامنا: نوصي بأن يكون زوجك حكيما، فيعمل على الإصلاح وتجنب أسباب الشقاق.
ويمكن الاستعانة في ذلك بمن يرجى أن يكون له تأثير على أمه.
والله أعلم.