السؤال
اشترى أبي منزلا، وبنى لي ولأخواتي شققا، واستلمت شقتي على الطوب الأحمر، فجهزتها، وتزوجت، ثم فرض علي أبي إيجارا قيمته 300 جنيه، فقلت: لا أعطي لك إيجارا، وسأعطي ذلك المبلغ لأمي كل شهر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين)، أي أنهم المقدمون، وحين كان السؤال عن مقدار الإنفاق، قال تعالى: (العفو)، وكانت هذه هي نيتي.
ودخلت أمي بذلك المبلغ البسيط جمعية، وذهبت للعمرة، وحين انتهت جمعيتها، قلت لها: إن أبي قد عمل كثيرا، ويجب أن يستريح، وطالما أنه هو الذي يتولى مصاريف البيت إلى الآن، فسأعطي له المبلغ؛ حتى يكون تشجيعا له على القعود، وحفظ وفهم كتاب الله.
وقالت لي أمي أمام أبي حين سألت عن المقدار الذي تريده؛ لأني داخل معها جمعية، قالت: "جمعية كذا، وإيجار كذا"، فقلت لها: لا تقولي إيجارا، وتبخسي من حقك علي أنت وأبي؛ فهذا حق فرضه الله علي، وذكرت الآيتين، وقلت لها: ليس هذا حقكم؛ فحقكم أكثر من ذلك، ولكن هذا هو العفو الذي فرضه الله علي، فاسألي الله أن يزيدني، فأزيد من فضله، فهذا لوجه الله تعالى، فقال لي أبي: إن كان لوجه الله، فنحن في غنى عنه، فتضايقت في نفسي من قوله، وأسررت ذلك في نفسي، وسكت.
وأبي يقول ذلك لأن نفسه عزيزة، ويمكن أن يحزنه أن أولاده يعطونه على هذه الصورة، ولكن أخشى عليه ما هو أكبر، وهو الكبر، وهذا ما أجده في تعامله، فقلت لأمي: أنا لا أعطي إلا لوجه الله، ولا آخذ إلا لوجه الله، وأسأل الله تعالى أن أكون كذلك، فإن كنتم في غنى عن وجه الله، وما فرضه الله علي، كما قال لي أبي، فيوجد الكثير، وإن كان غير ذلك، فخذيه أنت، كما كنت تأخذين، وإن طلبت أكثر، فيعينني الله.
وأثناء النقاش قال لي أبي: كان ينبغي لك منذ أن بلغت الحلم أن تعمل، وترفع عن كاهلي نفقاتك أنت وإخوتك؛ فقلت: من فضل الله أن أنعم عليك وعلينا برزق عن طريقك، فقال: أنت مدين لي، فسدد دينك -من تربية، ومأكل، ومشرب، وتعليم-، فقلت: الذي رزقك سيرزقنا، وهل كنت تربينا وتنفق علينا ابتغاء وجه الله تعالى، أم كنت تنتظر بلوغنا، فتمن علينا، وتحاسبنا؟ فقال: كنت أبتغي وجه الله، ولكن لا مانع أن تكون المعاملة تجارية أيضا.
المشكلة أني أرى في معاملات أبي عدم ابتغاء وجه الله تعالى، ويريد من أبنائه هذا أيضا، وأشعر أني لو أطعته، أني أضله.