السؤال
عندي مشكلة كبيرة تبدأ من طفولتي وكان سني إحدى عشرة سنة عندما توفي والدي وكان لي أخ يكبرني ب12 عاما فقد تولى المهمة خلفا لوالدنا وكان يعاملني بشيء من الشدة والقسوة وعندما حان الوقت لتوزيع الميراث أخذ أكثر من حقه وشاب عملية التقسيم شبه الظلم وخاصة لإخوتي البنات وقال لي إننا سنتأجر سويا وبالفعل تمت عملية المشاركة وأسسنا مدرسة خاصة وكان هو الذي يرعاها وعندما كبرت وتخرجت من الجامعة رفض أن يشركني معه كما رفض أيضا أن أعمل بها كمدرس
وعملت مدرسا بإحدى المدارس وكان ينفق ببذخ شديد وعندما أحتاج إلى نقود ولو بسيطة يرفض بحجة عدم توافرها فأصبحت العلاقة بيننا متوترة فضلا على أنها ممزقة من الأصل لعدم التوافق بيننا وأصبحت العلاقة تسوء يوما بعد يوم لدرجة أن الإهانة أصبحت اللغة الرسمية له بل تعدت حدودها إلى زوجتي وأخذ يشهر بنا لدى أي أناس يتحدث معهم ويعلم الله أن كلامه محض افتراء ومرت الأيام وأصبح الموقف المالي يتدهور بالنسبة لي واستدنت من هذا وذاك حتى تفاقمت على الديون وهو غير مبال لحالتي ووقعت الفاجعة فقد أراد أن ينهى الشركة بيننا فمن شدة العسر بالنسبة لي وافقت فما كان منه أنه ظلمني ظلما شديدا وأخذ أكثر مني بحجة أنه الذي تعب وغضبت وتألمت لهذا كثيرا وتشاجرنا معا وأمام ظلمه وتعنته رضخت لهذا الظلم وتدخل إخوتي وأعمامي ولكن دون جدوى وتم الانفصال بعد ذلك وكل منا في طريق وأصبحت مثقلا بهموم كثيرة وديون أكثر يئن من حملها كاهلي وترك البيت الذي نقيم فيه لأنه أصبح ملكي وذهب كل في طريق وأنا قطعت علاقتي به نظرا لظلمه وافترائه وأكله لمالي وتدخل الأهل والأصدقاء بغية الصلح بيننا ولكنني أرفض لأنني لا أطيق أن أراه، فهل بذلك أصبح قاطع رحم؟ علما بأنني إنسان سوي ومتدين على العكس منه تماما الرجاء موافاتي برأيكم مأجورين بإذن الله
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المؤمن الحق يصل ولا يقطع، ومهما حصل لك من أخيك فلا يسوغ القطيعة لجرها لعقاب الله والخزي في الدنيا والآخرة.
ولا يخفى على مسلم أن صلة الرحم من الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. رواه البخاري.
فدل هذا على أن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه.
وإذا أردت أخي المسلم أن يوسع لك في رزقك، ويمد لك في عمرك، فصل رحمك. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. رواه البخاري.
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه. رواه البزار والحاكم.
وإذا أردت أن يصلك الله فصل رحمك. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله. رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه لها، فمن وصل أرحامه وصله الله بالخير والإحسان، ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السماوات والأرض عبدا ضعيفا فقيرا.
ولا شك أن الصلة الحقيقة هي صلة من آذاك. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.
فعليك أخي بتقوى الله عز وجل ولا تجعل للشيطان عليك طريقا، وصل رحمك ولا تقطع، وعليك بالصبر، فالقطيعة ليست هي العلاج، إنما العلاج في الصلة والعفو، ويجب على المسلم أن يزيل ما قد علق في النفس من ترسبات قديمة تزيد من الشر وتنقص من الخير، وعليك أخي بالدعاء لك ولأخيك، لعل الله أن يزيل ما بينكما من نفور ويرد كيد الشيطان، إن كيد الشطان كان ضعيفا.
والله أعلم.