السؤال
عندي تساؤل يشغلني وهو: ما الحكم إذا فعلت أمرا اعتقدته حراما، وتبين فيما بعد أنه ليس كذلك، فهل آثم لأني كنت معتقدا حرمته، ورغم ذلك لم أنته عنه، أم لا آثم لكونه لم يكن حراما أصلا؟ وسأضرب مثالا ليتضح السؤال: إذا كنت في مكان ما، وسألني شخص: هل جاء محمد؟ وأنا أعتقد أنه لم يأت، فقلت له: نعم، لقد أتى؛ خلافا لما اعتقدته، فبان أنه قد أتى فعلا، فهل أكون بذلك كاذبا؛ لكوني قلت خلاف ما اعتقدته، أم صادقا لكون خبري قد طابق الواقع؟ وهكذا في بقية الأعمال.
جزاكم الله خيرا على إفادتكم لنا من هذا المنبر الجليل، والله يشهد أني استفدت استفادة عظيمة من موقعكم المبارك.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن فعل أمرا مباحا، وهو معتقد لحرمته، فإنه يأثم لا لفعله، وإنما لنيته وعزمه وجرأته على ارتكاب الحرام، وإن كان إثمه ليس كإثم فاعل الحرام حقيقة. وراجع في ذلك الفتوى: 269365. وهذا فيما بين العبد وربه.
وأما في حقوق الناس والحدود و العقوبات؛ فلا بد من اعتبار الواقع، قال الدميري في شرح المنهاج: وطئ زوجته أو أمته ظانا أنها أجنبية يزني بها .. عصى الله تعالى، ولا حد عليه، ولا يعاقب في الدار الآخرة عقاب الزاني؛ لانتفاء مفسده الزنى، بل يعاقب عقاب المجترئ على معاصي الله المخالف لأمره، وكذا من شرب شرابا ظنه خمرا فبان غيره، أو قتل إنسانا يظنه معصوما، فبان غير معصوم. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: لو وطئ أمته يظن أنه يزني بها، اعتدت بقرء، ولحقه الولد. ولا أثر لظنه هنا لفساده، ومن ثم؛ لم يحد كما يأتي؛ لعدم تحقق المفسدة، بل ولا يعاقب في الآخرة عقاب الزاني، بل دونه، كما ذكره ابن عبد السلام، وغيره، نعم، يفسق بذلك، كما قاله ابن الصلاح، وكذا كل فعل قدم عليه يظنه معصية، فإذا هو غيرها. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: من اعتقد حله -يعني النبيذ المختلف فيه- ليس عليه إثم، ولا أدب؛ لأنه من مسائل الفروع المختلف فيها، ومن اعتقد حرمته، أثم، وأدب. اهـ.
وهذا ينطبق على من أخبر بما يوافق الواقع معتقدا خلافه؛ فإنه يأثم للعلة نفسها.
والله أعلم.