الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهديك صراطه المستقيم، ويوفقك للتوبة، ويرزقك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
ونوصيك بكثرة الدعاء، وسؤال الله التوفيق؛ فالدعاء سلاح المؤمن، الذي يحقق به مبتغاه، وربنا سميع مجيب.
وإذا حققت شروط الدعاء، وأسباب إجابته، وصدقت في الرغبة في التوبة؛ صدقك الله سبحانه، ووفقك إليها، قال ابن القيم في الجواب الكافي: والأدعية، والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة؛ تخلف التأثير.
فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة؛ لم يحصل الأثر. اهـ.
فهذان أمران: الدعاء، وصدق الرغبة.
ثالثا: أنت بحاجة إلى الحزم مع نفسك، والحزم في أمر التعامل مع هذا الرجل؛ فلا يمكن لامرأة ترغب في الحفاظ على دينها، وصيانة عرضها أن تمكن رجلا من التواصل معها، والحديث إليه، بل والخلوة بها، وتزعم بعد ذلك أنه أرغمها على فعل الفاحشة، وهي بهذه التصرفات أدخلت الشيطان على نفسها من أوسع الأبواب ليوقعها في الفتنة، وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم {النور:21}، وروى الترمذي عن عمر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن ثالثهما الشيطان.
رابعا: يبدو أنك في غفلة عن خطورة الزنى، وعواقبه السيئة في الدنيا والآخرة، وسبق بيان بعضها في الفتوى: 26237.
فلو أنك استشعرت خطورة الأمر؛ لما تماديت فيه، ولسددت الذرائع إليه، وأغلقت باب الوسائل إلى الزنى، وقد تضمن بعضها الحديث المتفق عليه -واللفظ لمسلم- عن أبي هريرة ـرضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتاب الفوائد: دافع الخطرة، فإن لم تفعل، صارت فكرة. فدافع الفكرة، فإن لم تفعل، صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل، صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها، صارت فعلا، فإن لم تتداركه بضده، صار عادة؛ فيصعب عليك الانتقال عنها. اهـ.
فالواجب عليك المبادرة للتوبة النصوح، واستيفاء شروطها، والتي سبق بيانها في الفتوى: 29785.
ونوصيك بالحرص على صحبة الصالحات، وكل ما يمكن أن يعين على الاستقامة، والثبات عليها.
ولا بأس بالاستعانة بالحلف لمنع نفسك من الوقوع في المعصية، عند الحاجة لذلك، كما هو مبين في الفتوى: 151459، وقد نبهنا فيها إلى نهي الشرع عن كثرة الحلف، وأن الحنث يستوجب كفارة اليمين.
وتعدد الأيمان على الشيء الواحد، يجب به -عند الحنث- كفارة واحدة، إن لم يحصل حنث قبل ذلك- وهو قول الجمهور، وانظري الفتوى: 56462.
وننبهك إلى أن ما ذكرت من كون الزاني لا يجوز له الزواج ممن زنى بها إلا بعد التوبة قول لبعض أهل العلم، وهنالك من ذهب إلى جواز زواجه منها، وصحة هذا الزواج إن تم مستوفيا الشروط، ومن أهمها: الولي، والشهود، وراجعي الفتوى: 35509.
ولا شك في أن الأحوط أن يتم الزواج بعد التوبة.
والله أعلم.