طاعة الأمّ فيما تأمر به بغرض الانتقام أو الحسد

0 23

السؤال

هل تجب طاعة الأم في كل ما تطلب؟ فأنا أعلم أما لا تطلب الطلب من أبنائها لحاجة، وإنما تطلبه بغرض الانتقام، أو الحسد، أو المكر، وغيره، وهي تسيء الظن بالجميع، وتشك فيمن حولها، وتظن أن كل من جلس يتحدث، فإنما يتحدث عنها بسوء؛ ولذلك لا تحب أن يجلس أبناؤها معا، وعندما تأتي أختهم لزيارتهم تطلب من كل واحد طلبا؛ لكي تشغلهم، ولا يتسنى لهم الجلوس معا، بل إنها ذات مرة طلبت من ابنتها التي تقيم عندها ترتيب خزانة والدها، وطي ثيابه، وبعد أن فعلت قامت الأم بعد عدة أيام بتخريب الخزانة؛ لتطلب من ابنتها الأخرى التي ستأتي آخر الأسبوع لزيارتهم ترتيبها مرة أخرى؛ وبذلك تمنعها من الجلوس مع شقيقتها.
ومثال الحسد: أنها تكره أن يكون أبناؤها محبوبين ممن حولهم، أو أن تكون لهم علاقات اجتماعية ناجحة، أو يأخذوا نصيبا من الاهتمام ممن حولهم، بل تريد أن تكون هي من تلفت الأنظار، وهي وحدها من يكون لها الاهتمام والحب ممن حولها، ولا تريد لأي أحد أن يسبقها في ذلك بما - في ذلك بناتها-؛ ومن أجل ذلك تطلب طلبات شاقة؛ لتمنعهم من الخروج لزيارة أحد، أو تفسد عليهم النزهة مع أقاربهم، أو تمنعهم من الجلوس مع الأقارب في وجودها؛ لتكون هي المتكلم الوحيد في المجلس، ففي مثل هذه الحالات هل تجب طاعة الأم، وتنفيذ طلباتها التي طلبت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن حق الأم عظيم، وبرها وطاعتها في المعروف، من أوجب الواجبات، كما أن عقوقها من أكبر الكبائر الموبقات.

فإذا أمرت الأم ولدها بأمر ليس فيه معصية لله، ولها فيه غرض صحيح، وليس على الولد مضرة فيه؛ فالواجب على الولد طاعتها فيه، ولو وجد فيه مشقة، قال ابن تيمية -رحمه الله-: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه، ولم يضره؛ وجب، وإلا؛ فلا. انتهى من الفتاوى الكبرى.

فإذا أمرتك أمك بترتيب الخزانة، ونحو ذلك من الأعمال المنزلية؛ فالواجب عليك طاعتها، ما دمت قادرة على ذلك، ولا يجوز لك مخالفتها؛ بدعوى أنها تأمرك بهذه الأوامر بغرض الانتقام، أو الحسد، ونحوه.

فهذا الاتهام إذا لم يقم على أدلة؛ فهو اتهام باطل، وظلم ظاهر؛ فقد منع الشرع اتهام المسلم بالسوء بغير بينة, كما قال الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}، وفي حديث الصحيحين: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث.

فالأصل إحسان الظن بالمسلمين، وحمل أقوالهم وأفعالهم على أحسن الوجوه، جاء في أمالي المحاملي: قال عمر بن الخطاب: لا ‌تظنن ‌بكلمة خرجت من في امرئ مسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا. اهـ.

فإذا كان هذا مطلوبا مع عامة المسلمين؛ فكيف بالأم التي هي أرحم الناس بولدها، وأحرص ما يكون على إيصال الخير له، وقد شدد الشرع على الولد في الوصية بها، والإحسان إليها!

فاتقي الله، واستعيذي به من شر الشيطان ونزغاته، وأحسني الظن بأمك، واجتهدي في برها؛ فإنه من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله. وللفائدة، راجعي الفتوى: 76303.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة