حقيقة الفرق بين الصبر والرضا

0 21

السؤال

عند المصائب التي تصيب المؤمن يستحب في حاله الرضا. فإن لم يستطع، فيجب عليه الصبر.
هل يدخل في هذه المصائب قصر القامة؟ فيكون الإنسان الصابر على قصر قامته -مع تمنيه أن لو كان أطول مما هو عليه- له أجر على هذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما يصيب المرء مما يكرهه ويؤلمه، يدخل في معنى المصيبة، بخلاف ما يصيبه مما يحبه ويناسبه، فلا يسمى مصيبة.

قال الواحدي في التفسير البسيط: معنى ‌المصيبة: ‌هي التي تصيب بالنكبة، ولا يقال فيما يصيب بخير: مصيبة. اهـ.
وقال الفيومي في فتح القريب المجيب، على الترغيب والترهيب: والمصيبة ‌هي الأمر المكروه ينزل بالإنسان. اهـ.
وقال ابن عجيبة في البحر المديد، في تفسير القرآن المجيد: كل ‌ما ‌يشق على النفس ويتعبها، فهو بلاء. اهـ. 

وفي مصنف ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب، قال: انقطع قبال نعل عمر، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أفي قبال نعلك؟ قال: نعم، كل شيء أصاب المؤمن يكرهه، فهو مصيبة.
وعلى ذلك، فإن كان المرء يتألم بسبب قصر قامته، ويكره هذه الصفة، ويتمنى خلافها، ولكنه يصبر عليها فلا يتسخط ولا يجزع. لكونها من قضاء الله وقدره، وخلقه وتدبيره، فإنه بذلك يكون من الصابرين.

ويثاب على هذا، ويكفر عنه من سيئاته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. رواه البخاري ومسلم
ولكن لا يبلغ مرتبة الرضا طالما يتمنى خلاف خلافه.

قال ابن رجب في نور الاقتباس، في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: حقيقة الفرق بين الصبر والرضا: أن الصبر كف النفس وحبسها عن التسخط مع وجود الألم، والرضا يوجب انشراح الصدر وسعته، وإن وجد الإحساس بأصل الألم، لكن الرضا يخفف الإحساس بالألم لما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة، وقد يزيل الإحساس به بالكلية على ما سبق تقريره.

ولهذا قال طائفة كثيرة من السلف -منهم عمر بن عبد العزيز، والفضيل، وأبو سليمان، وابن المبارك، وغيرهم-: إن ‌الراضي ‌لا ‌يتمنى ‌غير ‌حاله ‌التي ‌هو ‌عليها، بخلاف الصابر.

وقد روي عن طائفة من الصحابة هذا المعنى أيضا، وأنهم كانوا لا يتمنون غير ما هم عليه من الحال، منهم: عمر وابن مسعود. اهـ. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات